يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة التحريم:6-8].
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [سورة التحريم:6] يقول: اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار.
وقال مجاهد: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [سورة التحريم:6] قال: اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله.
وقال قتادة: تأمرهم بطاعة الله، وتنهاهم عن معصية الله، وأن تقوم عليهم بأمر الله، وتأمرهم به، وتساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية قذعتَهم عنها، وزجرتَهم عنها.
وهكذا قال الضحاك ومقاتل: حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم، وما نهاهم الله عنه.
وجه الارتباط بين هذه الآية وبين ما قبلها أشرت إليه فيما سبق، وهو أن أزواج النبي ﷺ اجتمعن عليه يطالبن بالتوسعة في النفقة، فغضب النبي ﷺ، وخيرهن بين إرادة الحياة الدنيا وبين أن يخترن الله ورسوله فاخترن الله ورسوله، بعد أن آلى منهن شهراً ﷺ، آلى: أي حلف أن لا يقربهن شهراً، أن لا يطأهن شهراً.
فالحاصل أن ذلك ناسب أن يوجه بعده هذا الخطاب بالقيام على الأهل، ورعايتهم رعاية تكون سبباً لتجنيبهم مساخط الله ، والانغماس في الحياة الدنيا ولذاتها، وشهواتها وما أشبه هذا، وهذه الأقاويل التي ذكرها هنا في معنى: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [سورة التحريم:6] هذا الذي يسمونه باختلاف التنوع، يعني لا يحتاج إلى ترجيح، كل هذا يرجع إلى معنى واحد قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [سورة التحريم:6] أي: بطاعة الله ، واجتناب معصيته، فكل الأقوال تدور حول هذا المعنى، ولا يحتاج أن يقال: القول الأول، والقول الثاني، والثالث، والرابع.
وفي معنى هذه الآية الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها[1] هذا لفظ أبي داود، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
وقوله تعالى: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [سورة التحريم:6] وقودها أي: حطبها الذي يلقى فيها جثث بني آدم، والحجارة، قيل: المراد بذلك الأصنام التي كانت تعبد؛ لقوله تعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [سورة الأنبياء:98].
وقال ابن مسعود ومجاهد وأبو جعفر الباقر والسدي: هي حجارة من كبريت.
زاد مجاهد: أنتن من الجيفة.
على كل حال الله لم يحدد شيئاً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [سورة التحريم:6] ودل القرآن على أن الأصنام تلقى فيها: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [سورة الأنبياء:98] كذلك أيضاً ما جاء في بعض الآثار من أنها حجارة الكبريت، ومثل هذا لا يقال من جهة الرأي، وحجارة الكبريت لها في ذلك مزيتان، المزية الأولى: شدة الحرارة والإحراق، فهي شديدة الحرارة، والأمر الثاني: الرائحة النتنة.
وقوله تعالى: عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ [سورة التحريم:6] أي: طباعهم غليظة قد نزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله، شداد: أي تركيبهم في غاية الشدة والكثافة والمنظر المزعج.
وقوله: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [سورة التحريم:6] أي: مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه، لا يتأخرون عنه طرفة عين، وهم قادرون على فعله، ليس بهم عجز عنه، وهؤلاء هم الزبانية - عياذاً بالله منهم.
- أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (1/ 133- 494) والترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة (2/ 259- 407). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (508).