على كل حال التوبة النصوح: هي التوبة الصحيحة الصادقة التي تستوفي الشروط المطلوبة في التوبة، التوبة النصوح أن يقلع عن الذنب، وأن يعزم على أن لا يرجع إليه، وأن يندم على ذلك، وأن يرد المظالم إلى أصحابها، وأن لا يستروح للذنب، أو يحدث نفسه به تلذذاً وتشهياً، أو يكون متردداً في فعله ثانيةً، أو نحو ذلك مما قيل في معنى التوبة النصوح.
فهو يترك ذلك تركاً صحيحاً جازماً لا تردد فيه، من الناس من يحدث نفسه بالتوبة، ومن الناس من يقول: إنه تاب، ولكنه يحدث نفسه بالذنب وإن لم يفعله، فليست هذه هي التوبة النصوح، ومنهم من يتوب ويعزم أن لا يرجع لكنه لا يندم على فعله.
وسبق الكلام على معنى كون عسى من الله موجبة، وأن ذلك جاء من كلام ابن عباس ، وجاء عن غيره من السلف، معنى موجبة أي: أن ذلك متحقق الوقوع؛ لأن أصل عسى في كلام العرب تدل على الترجي، والترجي إنما يكون ممن لا يعلم عواقب الأمور، فهو يرجو أن يحصل هذا الأمر، أما الله فعلمه محيط، فإذا قال: عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا [سورة التحريم:5] فهو سيبدله، وإذا قال: عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ [سورة التحريم:8] فإن هذا وعد منه ، وليس ذلك كما لو قاله الإنسان، تقول: عسى أن ينزل المطر، بمعنى أنك ترجو، عسى زيدًا يقدم من السفر، فهذا من باب الترجي، يقولون: هذا جاء على طريقة العرب في الكلام والخطاب، فإن العظيم من الناس كالملوك ونحوهم إذا أراد أن يعد بشيء فإنه يخرجه بهذه الطريقة، يقول للواحد من رعيته من أصحاب الحاجات: عسى أن يتحقق لك ما أردتَ، وهو يقصد وعده بهذا.
يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [سورة التحريم:8] أي: ولا يخزيهم معه يعني يوم القيامة نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [سورة التحريم:8] كما تقدم في سورة الحديد يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة التحريم:8] قال مجاهد والضحاك والحسن البصري وغيرهم: هذا يقوله المؤمنون حين يرون يوم القيامة نور المنافقين قد طُفئ.
وروى الإمام أحمد عن رجل من بني كنانة قال: صليت خلف رسول الله ﷺ عام الفتح فسمعته يقول: اللهم لا تخزني يوم القيامة[1].
- أخرجه أحمد (29/ 596- 18056) والطبراني في الكبير (2524).