الأحد 10 / محرّم / 1447 - 06 / يوليو 2025
سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقال تعالى هاهنا: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ قال ابن جرير: سنبين أمره بيانًا واضحًا، حتى يعرفوه، ولا يخفى عليهم، كما لا تخفى السمة على الخراطيم.

وقال آخرون: سَنَسِمُهُ سمةَ أهل النار يعني نسود وجهه يوم القيامة، وعبر عن الوجه بالخرطوم".

تأمل في هذين المعنيين، فسر ذلك بأمر معنوي لا حسي: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ.

سَنَسِمُهُ بعضهم يقول: إن ذلك بشيء حسي في الدنيا، بعضهم قال: "بالكي على الخرطوم"، وبعضهم يقول: "بالسيف يضرب على أنفه، فيقطع أنفه، أو يكون عليه سمة من أثر السيف".

والخرطوم: الذي عليه الجمهور هنا: أن المراد به الأنف، هكذا قال جماعة، كأبي عبيدة والمبرد، وبه قال أبو زيد، وكثيرون في ثنايا كلامهم وتفسيرهم ما يدل على أنهم فسروه بهذا الأنف، بصرف النظر عما ذكروا في هذه السمة ما المراد بها، فإن بعضهم فسره بأمر معنوي كما ذكر ابن كثير هنا في القولين السابقين، ولهذا جاء عن مقاتل: "سنسمه بالسواد على الأنف".

هنا الخرطوم هو الأنف، ولكن بعضهم يقول: إنه عُبر بالبعض عن الكل يعني الوجه، ولهذا نفس قول مقاتل يبينه، يقول: "وذلك أنه يسود وجهه قبل دخول النار" يعني بسواد الوجه، ولهذا فإن الفراء يقول: إن الخرطوم هنا وإن خُص بالسمة: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ فإنه في مذهبٍ الوجه؛ لأن بعض الوجه يؤدي عن بعض، وهكذا قول الزجاج أيضًا بأنه سيجعل له في الآخرة علامة، العلامة التي يعرف بها أهل النار وهي سواد الوجوه، جعلوا ذلك في الآخرة.

وبعضهم قال قولاً عامًا مطلقًا كقول قتادة: سنُلحق به شيئًا لا يفارقه، وهذا اختاره ابن قتيبة، يقول: باعتبار أن العرب تقول: "قد وسمَه مَيْسم سوء" يعني ألحق به عارًا لا يفارقه، قالوا: المعنى أن الله ألحق به عارًا لا يفارقه كالوسم على الخرطوم، يعني العلامة التي تكون على الأنف تلوح لا يخطئها النظر، بخلاف ما لو كانت باليد مثلاً، أو الرجل.

ابن جرير ذكر هذه الأقوال، والذي رجحه: أن المعني سنبين أمره بيانًا واضحًا، حتى يعرفوه فلا يخفى عليهم كما لا تخفى السمة على الخرطوم.

ابن جرير يميل إلى هذا القول، مثل قول قتادة: سنلحق به شيئًا لا يفارقه، فنبين أمره بيانًا واضحًا.

ثم لمّا ذكر هذا القول، وذكر الأقوال؛ قال: ويمكن أن يكون ذلك أيضاً بسمة تكون عليه حسية على أنفه كجدع أنفه أو نحو ذلك بالسيف، يقول: لا مانع من هذا، أن يجتمع عليه هذا وهذا، هذا ذكره احتمالاً ما قاله مرجحًا له، قال: "ويمكن" لمّا ذكر هذا القول الذي تشير إليه الآية.

وطبعا تكلم المفسرون من المراد بهذا، ولا حاجة إليه؛ لأن الله - تعالى - يقول: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ فيشمل كل من هذه صفته: هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ إلخ، ولهذا قول من قال: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ علامة لا تفارقه بمعنى سواد الوجه، أو نحو ذلك يوم القيامة، هذا يصدق على من كان بهذه المثابة، يعني ليس شخصًا معينًا، فيجدع أنفه مثلاً، أو تحصل له علامة على الأنف.