الجمعة 23 / ذو الحجة / 1446 - 20 / يونيو 2025
أَمْ لَكُمْ كِتَٰبٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ثم قال تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ أَيْ: أَفَنُسَاوِي بَيْن هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِي الْجَزَاء؟ كَلَّا وَرَبّ الْأَرْض وَالسَّمَاء.

ولهذا قال: مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَيْ: كَيْف تَظُنُّونَ ذَلِكَ؟

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ۝ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ يَقُول تَعَالَى: أَفَبِأَيْدِيكُمْ كِتَاب مُنَزَّل مِنْ السَّمَاء تَدْرُسُونَهُ، وَتَحْفَظُونَهُ، وَتَتَدَاوَلُونَهُ بِنَقْلِ الْخَلَف عَنْ السَّلَف، مُتَضَمِّن حُكْمًا مُؤَكَّدًا كَمَا تَدْعُونَهُ؟

إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ۝ أَمْ لَكُمْ أَيْمَان عَلَيْنَا بَالِغَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ أَيْ: أَمَعَكُمْ عُهُود مِنَّا، وَمَوَاثِيق مُؤَكَّدَة؟

إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ أَيْ: أَنَّهُ سَيَحْصُلُ لَكُمْ مَا تُرِيدُونَ، وَتَشْتَهُونَ.

سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ أَيْ: قُلْ لَهُمْ مَنْ هُوَ الْمُتَضَمِّن الْمُتَكَفِّل بِهَذَا؟ قَالَ اِبْن عَبَّاس: يَقُول: أَيّهمْ بِذَلِكَ كَفِيل؟

أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء أَيْ مِنْ الْأَصْنَام، وَالْأَنْدَاد فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ".

قوله - تبارك وتعالى -: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ كما قال الله - تبارك وتعالى -: أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ [السجدة: 18] فالتسوية بين هؤلاء أمر لا يمكن أن يقع، ولهذا أنكره عليهم: مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ فهذا الحكم الجائر من أين لكم به؟ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ۝ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ.

يقول: أفي أيديكم كتاب منزل من السماء تدرسونه، وتحفظونه، وتتداولونه يقرر هذا: أن يسوى بين المؤمنين والكافرين في الجزاء، بين الأخيار والأشرار؟ هل عندكم كتاب في هذا منزل؟.

هذا الذي ذكره ابن كثير - رحمه الله - من المعنى هو الذي قال به أيضًا ابن جرير: أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ هل عندكم شيء من الله منزل - كتاب - يقرر هذا الحكم الجائر؟!

إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ يعني يحتمل أن "إنّ" هنا معمولة لتدرسون: أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ تدرسون ماذا؟، إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ وكسرت الهمزة هنا لدخول اللام: لَمَا تَخَيَّرُونَ لوجود اللام، يعني لو أن اللام كانت غير موجودة لكان: تدرسون أنّ لكم فيه ما تخيرون، فهذا قال به بعض أهل العلم، أو أن ذلك على سبيل الحكاية للمدروس، يعني جاءت الهمزة مكسورة على سبيل الحكاية: تَدْرُسُونَ تدرسون ماذا؟ فنقل النص الذي يدرسونه: إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ.

وبعضهم يقول: هذا ابتداء كلام جديد أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ثم قال: إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ما تدّعونه، وتزعمون أن لكم عند الله - تبارك وتعالى - حظوة، ومنزلة، وجزاء.

أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يقول: هل عندكم من الله عهد بأن تكون لكم العاقبة، والجزاء الحسن في الآخرة إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ أن ذلك سيقع لكم، ويتحقق.

فهنا هذه الأيمان البالغة جوابها: أيْ أيمانٌ بأن لكم ما تحكمون، فيكون هذا هو جواب هذه الأيمان، أو القسم.

سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ يعني مَن الكفيل، والضمين الضامن الذي يضمن لكم بذلك؟ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء يعني من الأصنام، والأنداد فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ، وبعضهم يقول: يعني يشاركونهم في هذا القول، ويوافقونهم فيه، الدعوى العريضة، وبعضهم يقول: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء يجعلونهم بهذه المثابة كالمسلمين في الآخرة، يتصرفون مع الله - تبارك وتعالى -، فيدخلونهم الجنة.