الثلاثاء 25 / جمادى الآخرة / 1447 - 16 / ديسمبر 2025
وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَٰرِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا۟ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجْنُونٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَقَوْله تَعَالَى: وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا: لَيُزْلِقُونَكَ لَيُنْفِذُونَك بِأَبْصَارِهِمْ أَيْ يُعِينُونَك بِأَبْصَارِهِمْ، بِمَعْنَى يَحْسُدُونَك لِبُغْضِهِمْ إِيَّاكَ، لَوْلَا وِقَايَة اللَّه لَك، وَحِمَايَته إِيَّاكَ مِنْهُمْ".

قوله: لَيُزْلِقُونَكَ هنا فسره بالحسد يعني الإصابة بالعين لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ وهذا المعنى قال به جماعة من السلف فمن بعدهم.

لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ يعني الإصابة بالعين، ولكن ليس هذا محل اتفاق، أعني تفسيره بالعين، فقد جاء عن جماعة من السلف كسعيد بن جبير، والسدي، والكلبي يعني يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة، وبعض أصحاب المعاني كالأخفش يقول: "يفتنونك"، وجاء عن الحسن: "يقتلونك بأبصارهم"، وقال الزجاج: "يكادون لشدة بغضهم، وعداوتهم؛ أن يصرعوك بنظرهم"، وبنحو هذا قال ابن قتيبة، واختاره ابن جرير، يعني من شدة العداوة أن النظر إليه الذي يتطاير منه الشرر لمّا يسمعون القرآن، ينظرون إليه نظرًا يكاد أن يسقطه لشدة هذا النظر، النظر حينما يكون قويًّا موجهًا باعثه شدة العداوة فإن هذا النظر يكاد يسقط المنظور إليه، هذا الذي اختاره ابن جرير، وقال به الزجاج، وابن قتيبة.

والمشهور: أن هذه الآية في العين، فهي تحتمل هذا وهذا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ من شدة عداوتهم، وقد يكون ذلك مرادًا به - والله تعالى أعلم - الإصابة بالعين، حسدًا، وأيضًا أنهم ينظرون إليه لشدة عدواتهم نظرًا قويًّا يكاد يسقط المنظور إليه، هذا يحتمل - والله تعالى أعلم -.

وهذه الآية يقرؤها كثير من الناس على من أصيب في العين، وقد ذكرنا في عدد من المناسبات: أن الرقى من باب الطب، وأن الأصل فيه الإباحة ما لم يشتمل على محرم، فإذا دلت التجربة على أن هذه الآية تنفع بإذن الله في رقية العين فلا إشكال في هذا، تُردد عليه.

وفي قوله - تبارك وتعالى - هنا: لَيُزْلِقُونَكَ هذه قراءة الجمهور بضم الياء، من أزلقه أي: أزل رجله، وفي قراءة نافع: لَيَزْلِقُونَكَ انزلق عن موضعه إذا تنحى.

"وَفِي هَذِهِ الْآيَة: دَلِيل عَلَى أَنَّ الْعَيْن إِصَابَتهَا، وَتَأْثِيرهَا؛ حَقّ بِأَمْرِ اللَّه كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيث الْمَرْوِيَّة مِنْ طُرُق مُتَعَدِّدَة كَثِيرَة.

حَدِيث بُرَيْدَة بْن الْحُصَيْب : روىَ أَبُو عَبْد اللَّه اِبْن مَاجَه عَنْ بُرَيْدَة بْن الْحُصَيْب قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: لَا رُقْيَة إِلَّا مِنْ عَيْن، أَوْ حُمَة".

الحُمَة هي ذوات السموم.

وقوله هنا: لا رقية إلا هذا أسلوب حصر، وحمله أهل العلم على الأنجع، والأنفع في الرقية؛ لأن الرقية تنفع من الأشياء الأخرى من الأمراض، والعلل التي تصيب الإنسان، ولكنها أبلغ ما تكون في الفائدة، والنفع في العين، والحُمَة؛ يعني ذوات السموم؛ إذا لُدغ الإنسان لدغته عقرب، أو حية، أو نحو ذلك؛ يرقى، فيقوم كما لو أنه لم يصب بأذى.

"هَكَذَا رَوَاهُ اِبْن مَاجَه وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ بُرَيْدَة مَوْقُوفًا، وَفِيهِ قِصَّة، وكذا رواه التِّرْمِذِي، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيث الْإِمَام الْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن مَوْقُوفًا: لَا رُقْيَة إِلَّا مِنْ عَيْن، أَوْ حُمَة[1].

ورواه مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ اِبْن عَبَّاس - ا - عَنْ النَّبِيّ ﷺ قَالَ: الْعَيْن حَقّ، وَلَوْ كَانَ شَيْء سَابَقَ الْقَدَر سَبَقَتْ الْعَيْن، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا اِنْفَرَدَ بِهِ دُون الْبُخَارِيّ[2].

وعَنْ اِبْن عَبَّاس - ا - قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّه ﷺ يُعَوِّذ الْحَسَن وَالْحُسَيْن، يَقُول: أُعِيذكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّه التَّامَّة مِنْ كُلّ شَيْطَان، وَهَامَة، وَمِنْ كُلّ عَيْن لَامَّة[3]".

من كل شيطان، وهامة الهوام فسرت بذوات السموم، وبعضهم قيد ذلك بما يقتل منها، وما لا يقتل بعضهم يقول: سوام أي هوام وسوام، وبعضهم فسره بما هو أوسع من هذا، كل ما يدب من هذه الحشرات يقال له ذلك، ولهذا قال النبي ﷺ لكعب بن عجرة: أيؤذيك هوامُّ رأسك؟[4] يعني القمل سماه هوامًّا، فالحشرات ونحوها تسمى هوامًّا.

ومن كل عين لامة يعني العين التي تصيب بالسوء - بإذن الله تعالى -.

"وَيَقُول: هَكَذَا كَانَ إِبْرَاهِيم يُعَوِّذ إِسْحَاق، وَإِسْمَاعِيل - عَلَيْهِمَا السَّلَام -" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، وَأَهْل السُّنَن[5].

حَدِيث أَبِي أُمَامَة أَسْعَد بْن سَهْل بْن حُنَيْف : روى اِبْن مَاجَه عَنْ أَبِي أُمَامَة أَسْعَد بْن سَهْل بْن حُنَيْف قَالَ: مَرَّ عَامِر بْن رَبِيعَة بِسَهْلِ بْن حُنَيْف وَهُوَ يَغْتَسِل، فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْد مُخَبَّأَة، فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُول اللَّه ﷺ فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا، قَالَ: مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ؟ قَالُوا: عَامِر بْن رَبِيعَة، قَالَ: عَلَامَ يَقْتُل أَحَدكُمْ أَخَاهُ؟ إِذَا رَأَى أَحَدكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا: أَنْ يَتَوَضَّأ، فَيَغْسِل وَجْهه، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَرُكْبَتَيْهِ، وَدَاخِلَة إِزَاره، وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبّ عَلَيْهِ، قَالَ سُفْيَان: قَالَ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ: وَأَمَرَ أَنْ يُكْفَأ الْإِنَاء مِنْ خَلْفه، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ طرق عَنْ أَبِي أُمَامَة: وَيُكْفَأ الْإِنَاء مِنْ خَلْفه[6]".

قوله: "ولا جلد مخبّأة" يعني العذراء التي لم ترها الشمس، فتجدها في غاية الصفاء، والنقاء، والبياض، والرقة "ولا جلد مخبأة"، وهنا النبي ﷺ قال: إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدعُ له بالبركة يعني يقول: بارك الله لك، وبارك عليك، ونحو ذلك.

كثير من الناس يقول: قل: ما شاء الله، الصحيح أن يدعو له بالبركة: بارك الله لك، الله يبارك لك، الله يبارك عليك، أو نحو هذا، أو يقولون: قل ما شاء الله، تبارك الله، ليس هذا هو الذي يقال في هذا الموضع، وقد مضى الكلام على قوله - تبارك وتعالى -: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف:39] هل هذا يقال لدفع العين، أو أنه قصد بذلك أنه يخرج من حوله، وطوله، ويظهر فقره إلى الله - تبارك وتعالى -، فلا يتعزز بهذه الجنة، مضى الكلام على هذا هل قصد بذلك أنه لا يصيب هذه الجنة التي يملكها بالعين، وذكرنا هناك: أن بعض أهل العلم قال بهذا؛ إلا أن الأقرب أن ذلك للخروج عن الحول، والقوة، فالله - تبارك وتعالى - هو المعطي المانع.

فالمقصود أنه يدعو بالبركة، يقول: اللهم بارك له، ونحو ذلك، فيكون ذلك مانعًا من وصول السوء إلى الغير.

وأما قوله: "وداخلة إزاره" فالمقصود كما قال ابن القيم - رحمه الله -: إن ذلك من المغابن يعني المواضع الرقيقة في الجسد، يقول ابن القيم - رحمه الله -: تتكيف النفس بكيفية معينة غيبية، فينبعث منها ذلك، فيصل إلى المعيون - بإذن الله -، هو يقول: يخرج من مَراقّ الجسد (المواضع الرقيقة) مثل هذه المواضع، والمفاصل: باطن الركبتين، ونحو ذلك، وملتقى نهاية الفخذ، هذه المراق، الحافظ ابن القيم - رحمه الله - يقول: إنها تنبعث منها، والعلم عند الله ، لذلك يقول: أمر بغسل داخلة الإزار، وغسل المغابن، وهذه المغابن هي هذه المواضع الرقيقة.

"حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ: روى اِبْن مَاجَه عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ: "كَانَ رَسُول اللَّه ﷺ يَتَعَوَّذ مِنْ أَعْيُن الْجَانّ، وَأَعْيُن الْإِنْس، فَلَمَّا نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَ بِهِمَا، وَتَرَك مَا سِوَى ذَلِكَ[7]" وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَسَن.

حَدِيث آخَر عَنْهُ: روىَ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ أَبِي سَعِيد أَنَّ جِبْرِيل أَتَى النَّبِيّ ﷺ فَقَالَ: اِشْتَكَيْت يَا مُحَمَّد؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: بِسْمِ اللَّه أَرْقِيك، مِنْ كُلّ شَيْء يُؤْذِيك، ومِنْ شَرّ كُلّ نَفْس، أَوْ عَيْن حَاسِد؛ اللَّه يَشْفِيك، بِسْمِ اللَّه أَرْقِيك[8]، وَرَوَاهُ مُسْلِم، وَأَهْل السُّنَن إِلَّا أَبَا دَاوُد.

وروى الْإِمَام أَحْمَد أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيد أَوْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ اِشْتَكَى فَأَتَاهُ جِبْرِيل، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّه أَرْقِيك، مِنْ كُلّ شَيْء يُؤْذِيك، مِنْ كُلّ حَاسِد وَعَيْن، وَاَللَّه يَشْفِيك[9].

حَدِيث أَبَى هُرَيْرَة : روى الْإِمَام أَحْمَد عن أَبي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إن العين حق أَخْرَجَاهُ[10].

وروىَ اِبْن مَاجَه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: الْعَيْن حَقّ تَفَرَّدَ بِهِ[11].

حَدِيث أَسْمَاء بِنْت عُمَيْس: روى الْإِمَام أَحْمَد عَنْ عُبَيْد بْن رِفَاعَة الزُّرَقِيّ قَالَ: قَالَتْ أَسْمَاء: يَا رَسُول اللَّه! إِنَّ بَنِي جَعْفَر تُصِيبهُمْ الْعَيْن، أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَوْ كَانَ شَيْء يَسْبِق الْقَدَر لَسَبَقَتْهُ الْعَيْن[12]، وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجه وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَسَن صَحِيح".

حَدِيث عَائِشَة - ا -: روى اِبْن مَاجَه عَنْ عَائِشَة - ا -: "أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ أَمَرَهَا أَنْ تَسْتَرِقِي مِنْ الْعَيْن" وَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم[13].

حَدِيث سَهْل بْن حُنَيْف: روىَ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ أَبِي أُمَامَة بْن سَهْل بْن حُنَيْف: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْو مَكَّة، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَرَّار مِنْ الْجُحْفَة اِغْتَسَلَ سَهْل بْن حُنَيْف، وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَض، حَسَن الْجِسْم، وَالْجِلْد، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِر بْن رَبِيعَة أَخُو بَنِي عَدِيّ بْن كَعْب وَهُوَ يَغْتَسِل، فَقَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْد مُخَبَّأَة، فَلُبِطَ سَهْل، فَأُتِيَ رَسُول اللَّه ﷺ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُول اللَّه هَلْ لَك فِي سَهْل؟ وَاَللَّه مَا يَرْفَع رَأْسه، وَلَا يُفِيق، قَالَ: هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَد؟ قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِر بْن رَبِيعَة، فَدَعَا رَسُول اللَّه ﷺ عَامِرًا، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلَامَ يَقْتُل أَحَدكُمْ أَخَاهُ؟ هَلَّا إِذَا رَأَيْت مَا يُعْجِبك بَرَّكْت، ثُمَّ قَالَ: اِغْتَسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ وَجْهه، وَيَدَيْهِ، وَمِرْفَقَيْهِ، وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَاف رِجْلَيْهِ، وَدَاخِلَة إِزَاره فِي قَدَح، ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ الْمَاء عَلَيْهِ، فَصَبَّهُ رَجُل عَلَى رَأْسه، وَظَهْره مِنْ خَلْفه، ثُمَّ يُكْفَأ الْقَدَح وَرَاءَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ؛ فَرَاحَ سَهْل مَعَ النَّاس لَيْسَ بِهِ بَأْس[14].

حَدِيث عَامِر بْن رَبِيعَة: روى الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَامِر قَالَ: اِنْطَلَقَ عَامِر بْن رَبِيعَة وَسَهْل بْن حُنَيْف يُرِيدَانِ الْغُسْل، قَالَ: فَانْطَلَقَا يَلْتَمِسَانِ الْخَمَر - الخَمَر يعني الموضع الذي يُستتر به من شجر، أو جدار، أو بناء، أو شيء، يعني سيضعون ثيابهم - قَالَ: فَوَضَعَ عَامِر جُبَّة كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ صُوف، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَأَصَبْتُه بِعَيْنِي - من المصاب؟ عامر على هذه الرواية عند أحمد، وأن الذي أصابه بالعين هو سهل بن حنيف عكس ما في الروايات الأخرى، ولهذا حكم أهل العلم على أن هذا من قبيل الوهم في هذه الرواية - فَنَزَلَ الْمَاء يَغْتَسِل، قَالَ: فَسَمِعْت لَهُ فِي الْمَاء فَرْقَعَة - وضبطه بعضهم بالقاف قَرقعة يعني كأنه صوت من هو في موت ونزع - فَنَادَيْته ثَلَاثًا، فَلَمْ يُجِبْنِي، فَأَتَيْت النَّبِيّ ﷺ فَأَخْبَرْته، قَالَ: فَجَاءَ يَمْشِي فَخَاضَ الْمَاء، فَكَأَنِّي أَنْظُر إِلَى بَيَاض سَاقَيْهِ، قَالَ: فَضَرَبَ صَدْره بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اِصْرِفْ عَنْهُ حَرّهَا، وَبَرْدهَا، وَوَصَبهَا قَالَ: فَقَامَ، فَقَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: إِذَا رَأَى أَحَدكُمْ مِنْ أَخِيهِ، أَوْ مِنْ نَفْسه، أَوْ مِنْ مَاله مَا يُعْجِبهُ؛ فَلْيُبَرِّكْ، فَإِنَّ الْعَيْن حَقّ[15].

تأمل هنا أن النبي ﷺ دعا له، وما أمر الآخر بأن يتوضأ له، بعض أهل العلم قال: ربما يكون ذلك في واقعتين، أو أن النبي ﷺ قال ذلك، وأمره بأن يتوضأ، لكن هنا لم يذكر الوضوء، وإنما ذكر فقط ما قاله النبي ﷺ من هذا الدعاء.

"وقوله تعالى: وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ أَيْ يَزْدَرُونَهُ بِأَعْيُنِهِمْ، وَيُؤْذُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ: وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُون أَيْ: لِمَجِيئِهِ بِالْقُرْآنِ.

قال الله - تعالى -: وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ.

آخر تفسير سورة نون، ولله الحمد والمنة".

تأمل في أول السورة - في صدرها - قال: مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ، وفي آخرها: وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ فهذا نوع من المناسبات، يعني وجه الارتباط بين صدر السورة، وخاتمتها، فالمناسبات أنواع، هناك مناسبات بين الآية والآية، ومناسبة بين المقطع والمقطع، هناك مناسبة بين الجملة والجملة، وهناك مناسبة - عند من يقول بأن ترتيب السور توقيفي، يعني عن النبي ﷺ - بين السورة والسورة، وهذا فيه نظر، وهناك مناسبة بين فاتحة السورة وخاتمتها، مثل هنا، وفي سورة البقرة: ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:2-3].

ما هذا الغيب؟

في آخرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ [البقرة:285] إلى آخره، فهذا من الإيمان بالغيب، وقد ألف فيه بعض أهل العلم مصنفات مستقلة.

  1. رواه ابن ماجه، كتاب الطب، باب ما رخص فيه من الرقى، رقم (3513)، وأصله في البخاري، كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره، وفضل من لم يكتوِ، رقم (5705)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، رقم (220).
  2. رواه مسلم، كتاب الآداب، باب الطب والمرض والرقى، رقم (2188).
  3. رواه أبو داود، كتاب السنة، باب في القرآن، رقم (4737)، والترمذي، أبواب الطب عن رسول الله ﷺ، رقم (2060)، وابن ماجه، كتاب الطب، باب ما عَوّذ به النبي ﷺ، وما عُوّذ به، رقم (3525)، وأحمد (2112) وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط البخاري"، وصححه الألباني في تخريج الكلم الطيب، رقم (146).
  4. رواه البخاري،  كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، رقم (4190)، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها، رقم (1201).
  5. رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، رقم (3371)، وأبو داود، كتاب السنة، باب في القرآن، رقم (4737) والترمذي، أبواب الطب عن رسول الله ﷺ، رقم (2060)، وابن ماجه، كتاب الطب، باب ما عَوّذ به النبي ﷺ، وما عُوّذ به، رقم (3525).
  6. رواه ابن ماجه، كتاب الطب، باب العين، رقم (3509)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الضحايا، باب الاستغسال للمعين، (19616)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، رقم (4562).
  7. رواه النسائي، كِتَابُ الاستِعَاذةِ، باب الاستِعاذَة مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ، رقم (5494) وابن ماجه، كتاب الطب، باب العين، رقم (3511) وصححه الألباني.
  8. رواه مسلم، كتاب الآداب باب الطب والمرض والرقى، رقم (2186) والترمذي، كتاب أبواب الجنائز عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في التعوذ للمريض، رقم (972) وابن ماجه، كتاب الطب، باب ما عَوّذ به النبي ﷺ، وما عُوّذ به، رقم (3523) وأحمد، رقم (11225)
  9. رواه أحمد، رقم (11710)، وقال محققو المسند: "حديث صحيح".
  10. رواه البخاري، كتاب الطب، باب العين حق، رقم (5740) ومسلم، كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى، رقم (2187).
  11. رواه ابن ماجه، كتاب الطب، باب العين، رقم (3506)، وأصله في البخاري، كتاب الطب، باب: العين حق، رقم (5740) ومسلم، كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى، رقم (2187).
  12. رواه الترمذي، كتاب أبواب الطب عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الرقية من العين، رقم (2059) وصححه الألباني، رقم (4560).
  13. رواه مسلم، كتاب الآداب، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحُمَة والنظرة، رقم (2195).
  14. رواه أحمد، رقم (15980).
  15. رواه أحمد، رقم (15700) وصححه الذهبي في تعليقه على تلخيص الحبير، رقم (7500) وقال محققو المسند: "صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف، مع وهم فيه".