الإثنين 14 / ذو القعدة / 1446 - 12 / مايو 2025
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٱلْحَآقَّةُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المصنف - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: الْحَاقَّةُ ۝ مَا الْحَاقَّةُ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ ۝ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ۝ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ۝ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ۝ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ۝ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ۝ وجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ۝ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً ۝ إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ۝ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ [سورة الحاقة:1-12].

الحاقة من أسماء يوم القيامة؛ لأن فيها يتحقق الوعد، والوعيد؛ ولهذا عظم الله أمرها فقال: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ".

فهذه السورة "سورة الحاقة" تتحدث في مجملها عن موضوع واحد في الجملة وهو القيامة، وهي ثلاثة أجزاء: منها ما يتحدث عن القيامة مباشرة، وأحوال الناس فيها، ومنها ما يتحدث عن حال المكذبين بها، وما فعل بهم من العقوبات، وما أنزل بهم من المَثُلات، وقسمها الثالث يتحدث عن أحقية ما جاء به الرسول ﷺ من هذا الوحي والقرآن، وأنه حق من عند الله - تبارك وتعالى -، هذه هي الأجزاء أو الأقسام الثلاثة التي اشتملت عليها هذه السورة، وهي ترجع إلى الموضوع الأساس - والله أعلم - القيامة؛ وذلك أنها افتتحت بذلك، ثم ذكر ما فعل بالمكذبين بها، ثم ذكر أحوال الناس فيها، ثم ذكر صدق المُخبِر عنها إنه لقول رسول كريم.

هذه السورة من السور النازلة في مكة بالاتفاق، كل آياتها الْحَاقَّةُ ۝ مَا الْحَاقَّةُ يقول: والحاقة اسم من أسماء يوم القيامة، ثم ذكر لماذا سميت بذلك؛ قال: لأن فيها يتحقق الوعد، والوعيد، هذا توجيه من الحافظ ابن كثير - رحمه الله - لهذه التسمية، الحاقة يتحقق فيها ما أخبر الله به على ألسن رسله - عليهم الصلاة والسلام -، فيكون ذلك بمعنى وقوع وحصول ما أخبر عنه، وبعضهم يقول: لأن الأمر يحق فيها، وهي أيضًا تحق في نفسها، يعني تقع بلا شك فهي واقعة، وما فيها حاصل، وواقع، ومتحقق، وبعض أهل العلم ذهب في هذا كصاحب تهذيب اللغة الأزهري - رحمه الله - إلى أن ذلك من حاققتُه - بمعنى غالبتُه - مُحاقّة وهي المغالبة، أو الخصومة أو نحو ذلك، فالقيامة حاقة؛ لأنها تحق كل مُحاقٍّ في دين الله بالباطل، كل مجادل فهي تخصمه، تخصم هؤلاء المخاصمين؛ هكذا فسرها، أما كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير - رحمه الله - فذهب بذلك إلى نحو مما سبق يعني بالقول الذي ذكرناه أولًا أي التي تحق فيها الأمور، ابن كثير يقول: يتحقق فيها الوعد والوعيد، وابن جرير يقول: تحق فيها الأمور، فهذا قريب من هذا، ومن أهل العلم مع اتفاقهم على أن الحاقة هي القيامة منهم من يقول سميت بذلك؛ لأنها من ذوات الحَواقّ يعني الحواق من الأمور أي أنها صادقة، يعني من الحق، حاقة صادقة، واجبة، وواقعة لا خُلف في وقوعها، وهذا المعنى قريب من بعض ما ذكر وإن اختلفت فيه العبارات، وهكذا أيضًا قول من قال: إنها سميت بذلك باعتبار أنها تكون في يوم الحق الذي هو يوم القيامة، تقع في يوم الحق، وهذا الذي قال به بعض أصحاب المعاني "معاني القرآن" مثل: الكسائي يقول: باعتبار أنها تكون في يوم الحق، ولو قيل ما هو يوم الحق؟ الحق هو الشيء الثابت في نفسه، والقيامة لا شك أنها حق، وبعضهم يقول: سميت بهذا لكون الإنسان فيها حقيقًا بأن يُجزى بعمله، وبعضهم يقول: لأنها أحقت لقوم الجنة، ولآخرين النار، إلى غير ذلك مما قيل في توجيه هذه التسمية، وكأن المتبادر - والله تعالى أعلم - ما ذكره الحافظ ابن كثير وابن جرير: حاقة يتحقق فيها الوعد والوعيد، أو تحق فيها الأمور، وبعبارة أشمل من ذلك أنها واقعة، وحاصلة، وكائنة لا مرية في وقوعها، ولا خُلف فيه، وهذا يتضمن ما يكون فيها مما أخبر الله عنه من وقوع الحساب، والجزاء، والأهوال، والأوجال التي قص الله - تبارك وتعالى - علينا خبرها الْحَاقَّةُ ۝ مَا الْحَاقَّةُ قال: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ "الحاقة ما الحاقة" هنا "ما" إذا قلنا: إنها استفهامية يمكن أن تكون الْحَاقَّةُ ۝ مَا الْحَاقَّةُ الحاقة مبتدأ، وما مبتدأ ثانٍ، والحاقة خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر للمبتدأ الأول يعني أي شيء حالها أو صفاتها؟ هذه الصيغة والجملة لفظها لفظ الاستفهام، ولكنها تدل على التعظيم، والتفخيم؛ لأن مثل هذا الاستفهام مع الإبهام في مقامات الوعد، والوعيد؛ يدل على التفخيم، والتهويل الْقَارِعَةُ ۝ مَا الْقَارِعَةُ [سورة القارعة:1-2] فهذا كله يفهم منه ذلك، كما تقول: الحرب ما الحرب؟، زيد ما زيد؟ تريد أن تعظم شأنه، وتفخم حاله الْحَاقَّةُ ۝ مَا الْحَاقَّةُ فهي تحق في نفسها من غير شك، وهي واقعة لا مرية في وقوعها، وكل ما أخبر الله عنه فيها فهو حاصل لا محالة، وهي صادقة الوقوع، كل هذه العبارات التي يذكرونها صحيحة لا إشكال فيها - والله تعالى أعلم -.