الإثنين 12 / ذو الحجة / 1446 - 09 / يونيو 2025
وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال الله - تعالى -: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ۝ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ۝ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ۝ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ۝ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ۝ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ۝ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ۝ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ۝ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ۝ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ۝ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ۝ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ۝ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ [سورة الحاقة:25-37].

وهذا إخبار عن حال الأشقياء إذا أُعطي أحدهم كتابه في العَرَصات بشماله فحينئذ يندم غاية الندم فيقول: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ۝ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ۝ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ قال الضحاك: يعني موتة لا حياة بعدها، وكذا قال محمد بن كعب، والربيع، والسدي، وقال قتادة: "تمنى الموت ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه"".

القاضية يقول: يعني موتة لا حياة بعدها يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ يعني القاطعة للحياة، يعني أنه تمنى الموت

كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيًا وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنَّ أمانِيَا

يكفي في بيان حال هذا الإنسان أنه يرى أن شفاءه في المنايا، في الموت، ويتمنى ذلك يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ تمنى دوام الموت، أنه لم يبعث، وأنه حينما مات كان ذلك مستمرًا لما شاهد من سوء عمله، وما يصير إليه من عذاب الله - تبارك وتعالى -، وبعضهم يقول: إن الضمير في يا ليتها كانت القاضية يعود إلى الحالة التي شاهدها عند مطالعة الكتاب، يعني يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت عليه يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ لما رأى حسابه قال: يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ يعني هذه الحال التي شاهدها، والأول على أنه يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ يعني الموتة التي ماتها كانت القاضية، النهاية، الدائمة، المستمرة، ولم يبعث، وهنا يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ يقول: قال الضحاك: "موتة لا حياة بعدها" هو المعنى الأول نفسه، ونقله عن جماعة، وقال قتادة: تمنى الموت ولم يكن شيء... إلخ، هذا كله يرجع إلى شيء واحد، لكن القول الآخر يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ يعني حينما شاهد هذا تمنى لو كان ذلك موتاً وفناء حصل له، فيكون الضمير لا يرجع إلى الموتة الأولى التي ماتها، وإنما يرجع إلى الحالة التي شاهدها يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ.