الأحد 20 / ذو القعدة / 1446 - 18 / مايو 2025
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ ۝ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ أي: لم يدفع عني مالي، ولا جاهي؛ عذاب الله، وبأسه، بل خلص الأمر إليّ وحدي فلا معين لي، ولا مجير، فعندها يقول الله : خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ۝ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ أي: يأمر الزبانية أن تأخذه عُنفاً من المحشر فتَغُله أي تضع الأغلال في عنقه، ثم تورده إلى جهنم؛ فتصليه إياها، أي: تغمره فيها".

قوله هنا: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ ۝ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ الهاء هذه للسكت، يعني ما أغني عني مالي، هلك عني سلطاني، يعني الإنسان يعتز بماله، وسلطانه، فهو يقول هنا: لم يحصل بذلك غناء، ولا انتفاع، ولا دفع؛ فحل به عذاب الله - تبارك وتعالى -، هلك عني سلطانيه، وبعضهم فسر هذا بالحجة، السلطان يأتي بمعنى الحجة لكن هل هذا هو المراد؟ بعضهم فسره به يعني يقول: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ ۝ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ يعني حجتي ضلت عني، هذا منقول عن جماعة من السلف مجاهد، وعكرمة، والضحاك، والسدي، وهو الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله -، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ذهبت حجتي، وتلاشت، واضمحلت، والقول الآخر: أن المقصود به سلطاني، وملكي في الدنيا، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ وهذا منقول عن ابن زيد، وهناك قول آخر منقول عن مقاتل: أن المراد هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ أي: تسلطي على جوارحي حينما شهدت عليّ، يعني أن جوارحه صارت تشهد عليه، ولا سلطان له عليها، يُختم على فيه، ثم تنطق جوارحه، فهنا ثلاثة أقوال، والحافظ ابن كثير - رحمه الله - حمله على المعنى الثاني وهو السلطان، قال: ولا جاهي؛ عذاب الله، وبأسه، يعني هذا قول ابن زيد، ملكي، وسلطاني في الدنيا، وهذا هو المتبادر مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ ۝ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ذكر المال، والسلطان، وهما اللذان يترفع بهما في الدنيا، ويدفع عن نفسه، أو يجلب لها، وكل ذلك لا ينفعه في الآخرة، وقول الحافظ ابن كثير: لم يدفع عني مالي، ولا جاهي؛ عذاب الله، وبأسه، هذا باعتبار أن ما نافية، يعني هو يخبر أن ذلك لم ينفعه مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ ۝ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ يقول: لم يغنِ عني مالي، ولا سلطاني، ويحتمل أن ما هذه تكون استفهامية، يعني كأنه يستفهم يقول: أنا ماذا استفدت من مالي، ومن سلطاني؟ ما فائدة مالي، وسلطاني؟ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ ماذا نفعني مالي، وسلطاني؛ لمّا صرت إلى هذه الحال؟، لا شيء، لكن المتبادر والأقرب - والله أعلم - أنها نافية، فهو ينفي الانتفاع بذلك مع أن تفسيرها بالاستفهامية يتضمن هذا المعنى، وهو حينما يستفهم ويقول: ماذا أغني عني؟ فإنّ في ضمن ذلك أنه مقر أن ذلك لم ينفعه - والله المستعان - خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ۝ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ قال: يأمر الزبانية أن تأخذه، يأخذونه أخذًا عنيفًا من المحشر، فيُغلّ، والغُل هو ما يوضع في العنق، وهنا يُغلّ بسلسلة طويلة عظيمة، توضع في عنقه فتكون غُلًّا له يغُل بها - نسأل الله العافية -، وبعضهم يعبر عن ذلك بأن يديه تُغل إلى عنقه بهذه السلسلة، مغلولة يداه إلى عنقه، والغُل في الأصل ما يوضع في العنق، خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ۝ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ الجحيم اسم من أسماء النار - أعاذنا الله، وإياكم، ووالدينا، وإخواننا المسلمين منها -، والجحيم تقال للنار العظيمة ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ يقول: ثم تورده إلى جهنم، وقد مضى في عدد من المناسبات أن التصلية لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى [سورة الليل:15] تدل على معنيين: الورود وهو الدخول، يقاسي حرها، يدخلها، ويقاسي حرها، يقال: صليت اللحم، صليت الشاة؛ إذا عرضتها على النار، و"لا يصلاها" يعني لا يدخل النار، فُسر بالدخول، وفسر بالتعذيب، والحرق بها - والله المستعان -، والأحنف بن قيس - رحمه الله - كان يضع أصبعه على السراج يذكر نفسه، ويحاسبها، فإذا كان الإنسان لا يحتمل لحظات أن يضع أصبعاً واحداً في هذا السراج، وما مقدار حرارة السراج؟، وما قيمة هذه النار الصغيرة التي في الفتيل؟ ومع ذلك الإنسان لا يطيق؛ فكيف بهذه النار العظيمة؟! نسأل الله العافية.