السبت 19 / ذو القعدة / 1446 - 17 / مايو 2025
وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ۝ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ۝ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ أي: ليس له اليوم من ينقذه من عذاب الله - تعالى - لا حميم - وهو القريب -، ولا شفيع يطاع، ولا طعام له هاهنا إلا من غسلين قال قتادة: هو شر طعام أهل النار، وقال الربيع، والضحاك: "هو شجرة في جهنم"، وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس قال: "الغسلين الدم والماء يسيل من لحومهم"، وقال علي بن أبي طلحة عنه: "الغسلين صديد أهل النار"".

قوله - تبارك وتعالى -: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ يعني القريب الذي تكون صلته به قريبة، ومن يكون بهذه المثابة من قرابته، وأصحابه الخلص وما إلى ذلك؛ فكل هذا يتلاشى في ذلك اليوم وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ۝ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ فهو ينفرد بهذه الحال ليس هناك من يواسيه، أو من يدفع عنه، أو يشفع، أو يقدم له الفداء، أو يقف معه، أو يشتغل به بنوع من الاشتغال، كل إنسان مشغول بنفسه، فهذا ينفرد بمصيبته، وبليته، وشقائه، وعذابه وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ۝ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ هذا الغسلين هنا ذكر فيه هذه الأقوال: قتادة يقول: هو شر طعام أهل النار، والربيع: شجرة في جهنم، وابن عباس - ا -: الغسلين الماء والدم يسيل من لحومهم، أيضًا الغسلين صديد أهل النار، وهذا الأخير هو الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله - صديد أهل النار، يعني ما ينغسل من أبدانهم من القيح ونحو ذلك، فإن النار إذا أحرقت تلك الأجساد - نسأل الله العافية - سال منها القيح، والصديد وما إلى ذلك، ويصدر عن تلك الأجسام من الإفرازات، وينشأ عن هذا الإحراق مثل هذه المواد التي تسيل منها، غسلين على وزن فِعْلين من الغَسل، هذا هو المعنى الذي اختاره ابن جرير، وقال به من قال من السلف، والآخرون كالضحاك، والربيع، ونحو هؤلاء قالوا: هو شجر يأكله أهل النار، وما جاء عن قتادة من أنه شر الطعام؛ هذا يصلح مع قول من قال: إنه صديد أهل النار، ومن قال: إنه الشجر، وجاء عن ابن زيد: لا يعلم ما هو، ولا ما الزقوم؛ إلا الله - تبارك وتعالى -، والله - تبارك وتعالى - قال: لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ ۝ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ [سورة الغاشية:6-7]، بعض أهل العلم يقول: يحتمل أن يكون الضريع هو الغسلين؛ لأنه جاء بأسلوب الحصر ليس لهم طعام إلا من ضريع، وهنا قال: وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ، ويحتمل أن يكون ذلك تفسيرًا له، والعلم عند الله - تبارك وتعالى -.

الشاهد أنه شر الطعام كما قال قتادة - رحمه الله -، لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ يعني أصحاب الخطايا، وهذا بمعنى قول من قال كالكلبي: "يعني الكفر، والشرك"؛ لأن ذلك إنما يكون لأهل النار الذين هم أهلها، وأصحاب الخطايا يعني من أهل الخلود فيها، وهم أهل الإشراك، ونحن تكلمنا على الخاطئ، والفرق بينه وبين المخطئ، الخاطئ اسم فاعل من خطِئ، وهو مَن فعل الخطيئة قصدًا، بخلاف من وقع منه من غير قصد فإنه يكون مخطئًا رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [سورة البقرة:286]، قال الله: قد فعلت.