الإثنين 14 / ذو القعدة / 1446 - 12 / مايو 2025
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌۢ بِٱلْقَارِعَةِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ثم ذكر تعالى إهلاكه الأمم المكذبين بها فقال تعالى: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [سورة الحاقة:5] وهي الصيحة التي أسكتتهم، والزلزلة التي أسكنتهم، هكذا قال قتادة: "الطاغية: الصيحة"، وقال مجاهد: "الطاغية: الذنوب"، وكذا قال الربيع بن أنس وابن زيد: إنها الطغيان، وقرأ ابن زيد كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا [سورة الشمس:11]".

قوله - تبارك وتعالى - في الجملة الثانية: الْحَاقَّةُ ۝ مَا الْحَاقَّةُ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ هذا زيادة في التفخيم لشأنها وأمرها، يعني الأول يدل على التفخيم، والثاني أيضًا زيادة فيه وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ يعني أي شيء أعلمك ما الحاقة؛ لأن النبي ﷺ لم يعاينها فكأنها خارجة عن دائرة علم المخلوقين، وبعض أهل العلم يقول: إن كل ما قيل فيه في القرآن "وما أدراك" فقد أدراه الله، وأعلمه، وما قيل فيه: وَمَا يُدْرِيكَ [سورة الأحزاب:63] فإن الله لم يعلمه وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا وهذا قال به بعض أهل العلم، وهو منقول عن سفيان بن عيينة بنحوه، وبه قال يحيى بن سلام صاحب التفسير المعروف، توفى سنة 200 للهجرة هكذا قال - والله تعالى أعلم -، وقوله - تبارك وتعالى -: كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ثمود قوم صالح - عليه الصلاة والسلام -، وعاد قوم هود ﷺ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ثمود وعاد كذبوا بالقارعة، والقارعة اسم من أسماء القيامة، ولماذا قيل لها القارعة؟

بعض أهل العلم كابن جرير يقول: لأنها تقرع القلوب؛ لما فيها من الأهوال والأجوال، وحينما تقع وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ [سورة النحل:77] يعني هي سريعة الوقوع تفاجئهم، والنبي ﷺ أخبر أن الرجل الذي قد حلب ناقته، والآخر الذي يصلح حوضه، أو الرجلان يتبايعان الثوب بينهما؛ كل هذا تقع الساعة وهم لا يمضون ذلك، فهي كلمح البصر، أو هي أقرب، ما الذي يكون أقرب من لمح البصر؟ ولهذا قال بعض أهل العلم: لأنها تقرع الناس بأهوالها، وهذا يمكن أن يرجع إلى ما ذكره ابن جرير، فهي حينما تقرع الناس بأهوالها تقرع قلوبهم؛ لأن القلوب هي محل الإدراك، لكن من البعد بمكان - والله تعالى أعلم - أن يفسر ذلك بالقرآن، يعني أن المراد بالقارعة القرآن الذي يخوَّف به الناس، ويخوَّف به الكفار، ويكذبون بذلك، لكن هذا بعيد كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ يعني بالقرآن، يقصد القائل بالقرآن، يعني الكتب المنزلة على هؤلاء الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - كذبوا بذلك بالكتب التي أنزلها الله عليهم، فهذا بعيد وإن قال به مثل المبرد - رحمه الله -، والمشهور الذي عليه السواد الأعظم من المفسرين سلفًا وخلفًا لا يكاد يختلف قولهم في هذا هو أن القارعة من أسماء القيامة، وإن اختلفوا في تعليل ذلك، لماذا سميت بالقارعة؟ فإن بعضهم يقول: من القُرعة ترفع أقوامًا، وتخفض آخرين، لكن هذا أيضًا بعيد فهي تقرع القلوب، تقرع الناس بأهوالها أي أنها تقرع قلوبهم.

يقول: ثم ذكر تعالى إهلاكه الأمم المكذبين بها فقال: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ قال: وهي الصيحة التي أسكتتهم، والزلزلة التي أسكنتهم، هكذا قال قتادة، الصيحة والزلزلة يعني أن الله جمع لهم بين هذا وهذا، ويكون قد صاح بهم الملك صيحة شديدة قوية، وزلزلت بهم الأرض رجفت بهم، فأهلكوا بهذين الأمرين، والطاغية الصيحة التي جاوزت الحد، وابن جرير فسره بهذا أن الطاغية هي الصيحة الموصوفة بهذه الصفة؛ لدلالة السياق، لأن القول الآخر وهو قول مجاهد: إن الطاغية هي الذنوب، وكذا قال الربيع بن أنس وابن زيد: إنها الطغيان، وهذا يرجع إلى قول مجاهد: إنها الذنوب، وقرأ ابن زيد كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا [سورة الشمس:11] يعني فسره به؛ لأن ابن زيد يفسر القرآن بالقرآن، يعني فسر هذه الآية فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ بقوله: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا، إذاً الطاغية قالوا: يعني الطغيان أنهم جاوزا الحد في طغيانهم، وكفرهم، وعتوهم على الله - تبارك وتعالى - فهذا بمعنى قول مجاهد: الذنوب، وقول الربيع بن أنس وابن زيد: إنها الطغيان، فبعضهم فسره على اللفظ، وبعضهم فسره على المعنى، وكل ذلك يرجع إلى مجاوزة الحد، وإلى الخروج عن طاعة الله - تبارك وتعالى - بالكفر، ومحادة الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، هذا معناها، يعني حاصل ذلك يرجع إلى قولين:

 القول الأول: أن المقصود بالطاغية الصيحة القوية التي أسكتتهم، وابن كثير زاد عليها الزلزلة، وهذا هو الأقرب - والله تعالى أعلم -، والذي اختاره ابن جرير؛ لدلالة السياق ما هي دلالة السياق؟ هنا علله بدلالة سياق الآيات أنه لما ذكر عادًا قال: فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ذكر ما عاقبهم به، ولم يذكر ذنبهم، فهذه قرينة تدل على أن المذكور قبله فيما يتصل بثمود؛ لأنه ذكر ثمود، وعاداً قال: كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ، ثم ذكر عقوبة كل طائفة كل قوم من هؤلاء فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ، هل المقصود الطغيان بذنوبهم، وبإجرامهم، أو المقصود العقوبة التي حلت بهم، وهي الصيحة مثلًا؟ هذا يحتمل، ولما ذكر عادًا لم يذكر ذنبهم، وإنما ذكر نوع العقوبة بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ فدل على أن الأول يقصد به نوع العقوبة أي الطاغية هي الصيحة، وابن كثير من أين جاء بالزيادة هذه التي ذكرها وهي الزلزلة؟ هل جاء به من اللفظ؟ جاء به مما ذكره الله في عقوبتهم، فالله ماذا قال عن ثمود في مواضع أخرى في نوع العقوبة التي حصلت بهم أخذهم بماذا؟ بالرجفة، وما هي الرجفة؟ الهزة، الزلزلة، فابن كثير لاحظ هذا، وكأنه جواب على سؤال مقدر أن هنا ذكَرَ الطاغية، فالله عاقبهم بعقوبتين معاً بالصيحة، والرجفة؛ ولهذا قال العلماء: إن الملك صاح بهم، وهُزت بهم، واهتزت، واضطربت، وتزلزلت الأرض من تحتهم، مثل قوم لوط جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا [سورة هود:82] فحصل لهم هذا وهذا.

هناك كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا يعني بطغيانهم، وكفرهم، فالطغيان هو مجاوزة الحد، إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء يعني تجاوز الحد، وارتفع، فأغرق من على الأرض.