السبت 26 / ذو القعدة / 1446 - 24 / مايو 2025
حَقِيقٌ عَلَىٰٓ أَن لَّآ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ [سورة الأعراف:105] أي: واجب وحق عليَّ ذلك، أن لا أخبر عنه إلا بما هو حق وصدق لما أعلم من جلاله وعظيم شأنه.


قوله: حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ يقول: "أي واجب وحق عليّ ذلك" وقرأ بعضهم حقيق عليَّ أن لا أقول على الله إلا الحق [سورة الأعراف:105]، وفي قراءة لابن مسعود: حقيق ألا أقول على الله إلا الحق [سورة الأعراف:105].
وبعض أهل العلم في القراءة المشهورة حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ [سورة الأعراف:105] قال: إن "على" بمعنى الباء، ومعلوم أن حروف الجر تتناوب، فيكون المعنى:حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق"، وبهذا وردت قراءة غير متواترة قرأ بها بعض السلف كأُبَيّ والأعمش حقيق بأن لا أقول.
والقراءة الآحادية يستفاد منها ثلاث فوائد، ومن هذه الفوائد أنه يفسر بها القراءة المتواترة، فقوله تعالى في القراءة المشهورة حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ [سورة الأعراف:105] تفسرها قراءة أُبَيّ والأعمش فيقال: أي: حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق.
وبعض أهل العلم يقول بتضمين الفعل وما في معناه معنى الفعل، ففي هذا الموضع يقولون: إن لفظة حَقِيقٌ ليست فعلاً لكنها مضمنة معنى الفعل حرص، ولفظة حريص تُعدَّى بـ"على" فتقول: فلان حريص على فلان، وفلان حريص على ماله، وفلان حريص على شبابه، وهكذا فإن قوله: حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ [سورة الأعراف:105] إذا كانت مضمنة معنى حريص يكون المعنى: حريص على أن لا أقول على الله إلا الحق.
وإذا ضمن الفعل أو ما في معناه معنى الفعل فإنه يُعدَّى تعديته كما في قوله تعالى: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ [سورة الإنسان:6] فقوله: يَشْرَبُ بِهَا مضمّن معنى يرتوي أو يلتذُّ، فيكون المعنى عيناً يرتوي بها، حيث ضمِّن الشرب معنى الارتواء أو الالتذاذ، وهكذا يمكن أن يقال في قوله: حَقِيقٌ عَلَى أنه مضمن معنى حريص، وحريص يتعدى بـ"على" ويكون المعنى كما سبق: حريص على أن لا أقول على الله إلا الحق، وهذا ليس ببعيد، وإن كان القول الذي قبله قد يقال: إنه أوضح وأقرب وأسهل منه، لكن تضمين الفعل وما في معناه معنى الفعل أبلغ، والله أعلم.

قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [سورة الأعراف:105] أي: بحجة قاطعة من الله أعطانيها دليلاً على صدقي فيما جئتكم به.
فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [سورة الأعراف:105] أي: أطلقهم من أسرك وقهرك، ودعهم وعبادة ربك وربهم، فإنهم من سلالة نبي كريم إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن.

مرات الإستماع: 0

"حَقِيقٌ عَلَى أن لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [الأعراف: 105] من قرأ (عَلَيَّ) بالتشديد على أنها ياء المتكلم، فالمعنى ظاهر، وهو أن موسى قال: حقيقٌ عليه ألا يقول على الله إلا الحق، وموضع أن لَا أَقُولَ على هذا رفعٌ بناء على أنه خبر حقيق، و(حقيقٌ) مبتدأ، أو بالعكس.

ومن قرأ (عَلَى) بالتخفيف، فموضع أن لَا أَقُولَ خفضٌ بحرف الجر، و(حقيقٌ) صفةٌ لرسول، وفي المعنى على هذا وجهان:

أحدهما: أن (على) بمعنى الباء، فمعنى الكلام: رسولٌ حقيقٌ بألا أقول على الله إلا الحق.

والثاني: أن معنى حقيق: حريصٌ؛ ولذلك تعدى بـ(على)".

قوله: "حقيقٌ عليَّ" هذه قراءة نافع[1] وهي التي بنى عليها المؤلف - رحمه الله - الكتاب، فتكون ياء المتكلم، يعني كأنه يقول: حقٌ واجبٌ عليَّ ألا أقول على الله إلا الحق، فيكون خبرًا لحقيق، يقول: "أو العكس" يعني: أن (حقيق) هو الخبر.

يقول: "ومن قرأ (على)" بالتخفيف، وهذه قراءة الجمهور[2] فـتكون (على) حرف جر، فيتغير المعنى: "فيكون أن لَا أَقُولَ مجرور بـ(على) و(حقيق) صفة لرسول".

يقول: "وفي المعنى على هذا وجهان:

الأول: أن (على) بمعنى الباء" يعني على التخفيف، فمعنى الكلام رسولٌ حقيقٌ بأن لا أقول على الله إلا الحق، وهذا يؤيده قراءة شاذة، وهي قراءة أُبيّ، والأعمش: حقيقٌ بألا أقول[3] فليس من التكلُّف، والقراءة الشاذة إذا صحَّ سندها تُفسِّر المتواترة، ومعروف أن حروف الجر تتناوب، وقال الفرَّاء: بأن العرب تجعل الباء في موضع (على)[4] تقول: رميتُ على القوس، وبالقوس، وجئتُ على حالٍ حسنة، وبحالٍ حسنة.

يقول: "الثاني: أن معنى حقيق مضمن معنى حريصٌ" أو جدير، أو خليق، وهذا اختاره ابن عطية[5] وأبو حيان[6] وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -[7] وفسَّره بحريص أبو عبيدة معمر بن المثنى[8] والقرطبي أيضًا[9].

فابن عطية، والشنقيطي[10] استبعدوا تفسيره بحريص، يعني عبَّروا بمثل جدير، وخليق، وسبق الكلام على تضمين الفعل، وما في معناه معنى الفعل، يعني أولى من تضمين الحرف معنى الحرف، وقلنا: بأن ابن القيم - رحمه الله - وكذلك شيخ الإسلام - رحمه الله - يميلون إلى هذا[11] ويعزوه الحافظ ابن القيم إلى فقهاء النحاة، يعني بدلًا من أن يُفسَّر (على) بالباء، يقولون: بأن حقيق مضمن معنى جدير، وخليق.

والآخرون يقولون: مضمن معنى حريص، وجمع بين القولين بعضهم كالشيخ محمد رشيد رضا[12].

والشيخ محمد أمين الشنقيطي - رحمه الله - فسره بمعنى إني رسولٌ حقيق[13] أي رسالتي لا شك فيها.

وأما قوله: (عَلَىَّ أن لَا أَقُولَ) فيتعلق بمعنى الرسالة المشار إليها بالرسول، أي: أرسلني ربي على شرط، ووتيرةٍ معينة، وهي: ألا أقول عليه إلا الحق.

فهو يخاطب فرعون، ويقول: إني رسولٌ من رب العالمين حقيق، يعني رسالتي حقٌ ثابتٌ لا شك فيه، ولا امتراء، لكن على شرط: ألا أقول على الله إلا الحق.

وكأن القول الذي ذكره عامة أهل العلم أقرب - والله تعالى أعلم - يعني بمعنى خليق، وجدير ألا أقول على الله إلا الحق.

"قوله تعالى: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف: 105] أي: بمعجزةٍ تدل على صدقي، وهي العصا، أو جنس المعجزات.

قوله تعالى: فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف: 105] أي: خَلِّهم يذهبوا معي إلى الأرض المقدسة موطن آبائهم؛ وذلك أنه لما توفي يوسف غلب فرعون على بني إسرائيل، واستعبدهم، حتى أنقذهم الله على يد موسى، وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف مصر، واليوم الذي دخله موسى أربعمائة عام".

هذا على ما ذكره بعض المؤرخين، وهذا يدل على أن ما ذكره بعضهم من أن فرعون الذي خاطبه مؤمن آل فرعون بقوله: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا [غافر: 34] احتمالاً أنه هو فرعون الذي كان في زمن يوسف - عليه الصلاة، والسلام - فخاطبهم مؤمن آل فرعون بهذا، لكن هذا فيه نظر، فبينهم قرون - على ما ذكره بعضهم - تصل إلى أربعمائة سنة، فلم يكن الذي كان في زمن موسى - عليه الصلاة، والسلام - هو من كان في زمن يوسف .

  1. الحجة للقراء السبعة (4/56).
  2.  المصدر السابق (4/56).
  3.  البرهان في علوم القرآن (4/285) وتفسير القرطبي (7/256).
  4.  معاني القرآن للفراء (1/503).
  5.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/435).
  6.  البحر المحيط في التفسير (5/127).
  7.  الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (1/141).
  8.  مجاز القرآن (1/224).
  9.  تفسير القرطبي (7/256).
  10.  العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (4/67).
  11.  الفتاوى الكبرى لابن تيمية (1/277).
  12.  تفسير المنار (9/38).
  13.  العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (4/66).