الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَٰفٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۝ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ۝ قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ۝ وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [سورة الأعراف:123-126].
يخبر تعالى عما توعد به فرعون - لعنه الله - السحرة لما آمنوا بموسى وما أظهره للناس من كيده ومكره في قوله: إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا [سورة الأعراف:123] أي: إنّ غلبته لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضاً منكم بذلك، كقوله في الآية الأخرى: إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ [سورة طـه:71] وهو يعلم وكل من له لبّ أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل؛ فإن موسى بمجرد ما جاء من مدين دعا فرعون إلى الله وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ما جاء به، فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن ملكه ومعاملة سلطنته، فجمع سحرة متفرقين من سائر الأقاليم ببلاد مصر ممن اختاره هو والملأ من قومه، وأحضرهم عندهم ووعدهم بالعطاء الجزيل، ولهذا قد كانوا من أحرص الناس على ذلك وعلى الظهور في مقامهم ذلك والتقدم عند فرعون، وموسى لا يعرف أحداً منهم ولا رآه ولا اجتمع به، وفرعون يعلم ذلك، وإنما قال هذا تستراً وتدليساً على رعاع دولته وجهلتهم كما قال تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [سورة الزخرف:54] فإن قوماً صدقوه في قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [سورة النازعات:24] من أجهل خلق الله وأضلهم.
وقال السدي في تفسيره بإسناده المشهور عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة في قوله تعالى: إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ [سورة الأعراف:123] قال: التقى موسى وأمير السحرة فقال له موسى: أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي وتشهد أن ما جئت به حق؟ قال الساحر: لآتين غداً بسحر لا يغلبه سحر، فو الله لئن غلبتني لأؤمنن بك ولأشهدن أنك حق، وفرعون ينظر إليهما، قالوا: فلهذا قال ما قال.

على كل حال هذا عن السدي، ومثل هذا لو صح إسناده فإنه مما لا يقال من جهة الرأي، فإن لم يكن مأخوذاً عن بني إسرائيل فإنه يكون له حكم الرفع، لكن طريق السدي لا تصح أصلاً، فالله أعلم.
وقوله: لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ [سورة الأعراف:123] يعني خطة مبيتة، فالتدبير بخفاء يقال له: مكر.
قوله: مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ [سورة الأعراف:123] يحتمل أن يكون المعنى أن هذا المكر حيك حينما كنتم في المدينة، يعني تكون المدينة ظرفاً للمكر بمعنى أن هذا المكر وقع فيها، يعني هي خطة اتفقتم عليها في المدينة التي هي مصر، ويحتمل أن يكون لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ [سورة الأعراف:123] يعني أنكم دبرتم أمراً ضد هؤلاء الناس من أهل المدينة، أو ضد البلد وأهل البلد؛ وعلى هذا لا يكون المعنى أن المكر وقع ونُسج داخل المدينة، وهذا هو الأقرب والله تعالى أعلم، أي أن المقصود أن هذا مكر موجه إلى البلد وأهل البلد لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا [سورة الأعراف:123] والله أعلم.
وقوله: لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا [سورة الأعراف:123] أي: تجتمعوا أنتم وهو وتكون لكم دولة وصولة وتُخرجوا منها الأكابر والرؤساء.

يعني هو يريد أن يقول: أنتم فقط تريدون السلطة وليست مسألة دعوة ولا وحي ولا هدى ولا نبوة ولا رسالة ولا شيء.
وتخرجوا منها الأكابر والرؤساء وتكون الدولة والتصرف لكم فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [سورة الأعراف:123] أي: ما أصنع بكم، ثم فسر هذا الوعيد بقوله: لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ [سورة الأعراف:124] يعني يقطع يد الرجُل اليمنى ورجْله اليسرى أو بالعكس.
ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ وقال في الآية الأخرى: فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [سورة طـه:71] أي: على الجذوع.
قال ابن عباس - ا - : وكان أولَ من صَلب وأول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون.

مرات الإستماع: 0

"لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ [الأعراف: 124] الآية وعيد من فرعون للسحرة، وليس في القرآن أنه أنفذ ذلك، ولكنه رُوى أنه أنفذه عن ابن عباس[1] وغيره".

الذي جاء عن ابن عباس - ا - بسندٍ ضعيف، عند ابن جرير - رحمه الله -: "أن أول من صلب، وأول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون[2]" وتوعدهم بالصلب في جذوع النخل، وتقطيع الأيدي، والأرجل من خلاف، يعني يقطع مثلاً اليد اليمنى، والرجل اليسرى، فإذا قُطِع عضو من ناحية، من جانب، ضعُف ذلك الجانب، فإذا قُطِع العضو الآخر من الجانب الآخر ضعُف الجانب الآخر، فيضعُف البدن كله.

وعلى هذا الأثر من ابن عباس - ا -: "أول من قطع" معناه: أنه أنفذ وعيده، لكن هذه الرواية لا تصح.

"وقد ذُكر معنى: مِنْ خِلَافٍ في العقود".

يعني في سورة المائدة، وحاصله ما ذكرت. 

  1. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (13/34).
  2. المصدر السابق.