ثم قال تعالى: وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا أي: لعابديهم، وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ يعني: ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء كما كان الخليل يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة، كما أخبر تعالى عنه في قوله: فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ [سورة الصافات:93]، وقال تعالى: فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ [سورة الأنبياء:58]، وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل - ا - وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله ﷺ المدينة، فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطباً للأرامل، ليعتبر قومهما بذلك ويرتئوا لأنفسهم، فكان لعمرو بن الجموح - وكان سيداً في قومه - صنم يعبده ويطيبه، فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ويلطخانه بالعذرة، فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به، فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفاً ويقول له: انتصر، ثم يعودان لمثل ذلك، ويعود إلى صنيعه أيضاً، حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت ودلَّياه في حبل في بئر هناك فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل وقال:
تالله لو كنتَ إلهاً مُسْتدَن | لم تك والكلب جميعاً في قرن |
ثم أسلم فحسن إسلامه، وقتل يوم أحد شهيداً - وأرضاه - وجعل جنة الفردوس مأواه.