الأربعاء 23 / ذو القعدة / 1446 - 21 / مايو 2025
قَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ لَنُخْرِجَنَّكَ يَٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا ۚ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَٰرِهِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ۝ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [سورة الأعراف:88-89].
هذا خبر من الله تعالى عما واجهت به الكفار نبيه شعيباً ومن معه من المؤمنين في توعدهم إياه، ومن معه بالنفي عن القرية، أو الإكراه على الرجوع في ملتهم، والدخول معهم فيما هم فيه، وهذا خطاب مع الرسول والمراد أتباعه الذين كانوا معه على الملة.

قولهم: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [سورة الأعراف:88] هل العود الذي طالبوهم به هو عود إلى ما كانوا عليه من الكفر قبل الإيمان، وهل كان شعيب على الكفر قبل أن يُبعث في قومه نبياً رسولاً؟ أم أن العود هنا يحمل على معناه الآخر وهو الصيرورة؟، فيكون المعنى صِيروا كفاراً، باعتبار أن العود يفسر بمعنيين: الأول العود إلى الحال السابقة والثاني بمعنى الصيرورة.
من أهل العلم من يقول: إن الأنبياء كانوا على دين قومهم، وعلى هذا يقولون: إن إبراهيم ﷺحينما قال للكوكب هَذَا رَبِّي [سورة الأنعام:76]  قاله: ناظراً لا مناظراً، إلا أن الأرجح أنه قال ذلك مناظراً، أي قال ذلك على سبيل التنزل ليبين بطلان قولهم.
وبعض أهل العلم قال: إن قولهم: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [سورة الأعراف:88] كان على سبيل التغليب، أي أنهم خاطبوا المجموع، فقوم شعيب ممن آمن معه كانوا قبلُ على دين قومهم، فتركوا دين قومهم لما دعاهم إلى الله، فالكفار طالبوهم بالرجوع إلى ما كانوا عليه، وعليه فلا يعني أن واحداً منهم - وهو شعيب  - كان كذلك وإنما خاطبوا المجموعة فغلّبوا أصحابه؛ لأنهم الأكثرية، فقالوا: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [سورة الأعراف:88] وهذا معنى كلام ابن كثير - رحمه الله - حيث قال: "وهذا خطاب مع الرسول والمراد أتباعه الذين كانوا معه على الملة" فالخطاب في قوله: لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [سورة الأعراف:88] هو خطاب للجميع، لشعيب ومن معه، فالعلماء قالوا: غُلّب الأتباع، وهذا على تفسير العود بمعنى الرجوع إلى الحال التي سبقت الحال الحاضرة.
ومن فسروا العود بمعنى الصيرورة قالوا: إن قوله: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [سورة الأعراف:88] أي: تصيرون إليها، كما تقول: عاد الخل خمراً، أي صار خمراً، وتقول: عاد الطين صخراً، وتقول: عاد الماء ثلجاً، وعاد الصبي شيخاً، وهكذا.
فالفعل "عاد" يأتي في اللغة لمعنيين كما ذكر ذلك الثعالبي في كتابه "فقه اللغة" حيث قال: إن هذا من خصائصها.
وهذا الموضع من القرآن هو أحد المواضع التي يتكلم العلماء فيها هل كان الأنبياء على دين قومهم أو لا؟ والذين يقولون: كانوا على دين قومهم يحتجون بمثل هذا الموضع، بل هو من أشهر المواضع التي يحتجون بها، ومن ذلك قصة إبراهيم مع الكواكب.
والشنقيطي - رحمه الله - له كلام جيد حول هذه المسألة في أضواء البيان حيث أشار إشارة قصيرة لهذا المعنى، وتكلم بشكل أطول في مكان آخر.
قال - رحمه الله - : وفي هذه الآية الكريمة سؤال معروف مشهور؛ لأن ظاهر القرآن هنا أن شعيباً قد دخل في ملتهم سابقاً يوماً ما؛ لأن قولهم مخاطِبين له: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [سورة الأعراف:88] وقول شعيب مجيباً لهم: قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا [سورة الأعراف:89] يدل بظاهره على أنه قد كان فيها سابقاً يوماً ما.
وأكثر العلماء يقولون: إن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - معادن وحيٍ ومحل الخير، والله يقول: اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [سورة الأنعام:124] وفي القراءة الأخرى: حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِه [سورة الأنعام:124] فلا يكفرون بالله؛ لأن فطرتهم التي ولدوا عليها لا يبدلها الله بالكفر لمكانتهم عنده، فبعض العلماء يقول: لو فرضنا أنهم وقع منهم بعض الشرك وأنابوا إلى الله فإنهم يصيرون إلى مثل حالهم قبله، وصار كأنه لم يكن.
وأكثر الأصوليين وعلماء التفسير أن شعيباً لم يكن كافراً يوماً ما، ويجاب عن ظاهر الآية بجوابين:
أحدهما أن العرب تطلق لفظة "عاد" إطلاقين: أحدهما: عاد إلى أمر كان فيه سابقاً، والثاني تقول العرب: عاد كذا كذا، بمعنى صار إلى كذا من جديد، ومنه قولهم: عاد الطين خزفاً، وعاد الخمر خلاً، ولا شك أن هذا الاستعمال موجود في "عاد" تقول العرب: عاد رجلاً فلان، أي صار إلى الرجولة، ولم يتقدمه وصف مماثل قبلها، ومنه بهذا المعنى قول الشاعر:
وربيته حتى إذا ما تركته

أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه

وبالمحض حتى إذا آض جعداعنطنطا إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه

قالوا: معناه صار جعداً.
الوجه الثاني وبه قال غير واحد: أن نبي الله شعيباً كان معه جماعة من قومه آمنوا به، فالذين آمنوا به من قومه كانوا كفاراً على ملة قومهم، وهم عدد كثير وهو رجل واحد فعُبِّر باسم العدد الكثير وغلبوه على ذلك الواحد، والتزم معهم شعيب في هذا الخطاب تغليباً لقومه الأكثرين.
وظاهر كلام ابن جرير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية الكريمة من سورة الأعراف ذاهباً أن شعيباً كان معهم سابقاً على ملتهم، وكذلك قال صريحاً عن إبراهيم في قوله: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي [سورة الأنعام:76] فنقل ابن جرير عن ابن عباس - ا - : أن إبراهيم كان يظن ربوبية الكوكب في ذلك الزمن، ونحن نقول: إن قوله في الخليل إبراهيم غلط محض لا شك فيه، وإنْ نسبه إلى ابن عباس - ا - ؛ لأن الآيات القرآنية صرحت بأن إبراهيم لم يكن من المشركين، ونفى عنه الشرك في الكون الماضي، والكون الماضي يستغرق كل الزمن، كقوله: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [سورة آل عمران:67].
قوله: وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [سورة آل عمران:67] نفى الشرك عن إبراهيم في الكون الماضي، والكون الماضي مستغرق، ومنه قوله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [سورة النحل:120] ونحو ذلك من الآيات، فنفْي هذا عن إبراهيم صريحٌ، ونفيه عن شعيب لم يقم دليل عليه في الصراحة كإبراهيم، وأقوال أهل العلم قد ذكرناها لكم الآن فيه، وهذا معنى قوله: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [سورة الأعراف:88] الملة: الشريعة والدين.

وقوله: أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ [سورة الأعراف:88] يقول: أوَ أنتم فاعلون ذلك ولو كنا كارهين ما تدعونا إليه؟
الهمزة في قوله: أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ [سورة الأعراف:88] هي لإنكار ما طالبوهم به، أو إنكار وقوع ما طلبوا منهم من العود إلى ملتهم، والمعنى أوَ أنتم فاعلون ذلك ولو كنا كارهين؟ يعني أتخرجونا من قريتنا إن لم نعد في ملتكم؟
فإنا إن رجعنا إلى ملتكم ودخلنا معكم فيما أنتم فيه فقد أعظمنا الفرية على الله في جعل الشركاء معه أنداداً، وهذا تعبير منه عن أتباعه.
وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا [سورة الأعراف:89] وهذا رد إلى المشيئة فإنه يعلم كل شيء، وقد أحاط بكل شيء علماً.

ليس المقصود بقولهم: إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا [سورة الأعراف:89] أن الله يشاء الكفر ديناً وشريعة، وإنما المقصود بالمشيئة هنا المشيئة الكونية؛ لأن الله قال: إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [سورة الزمر:7] فالله - تبارك وتعالى - لا يشاء وقوع الكفر ديناً - الإرادة الشرعية - وأما كوناً فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يقع في الكون تحريكة ولا تسكينة إلا بمشيئته  - تبارك وتعالى - قال الله تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [سورة السجدة:13].
ومعنى قوله - تبارك وتعالى - : إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا [سورة الأعراف:89] - على قول أهل السنة وهو ما عبر به ابن جرير - رحمه الله - يعني إلا أن يكون سبق في علم الله أننا نعود فيه فلا بد من وقوع ذلك، أما بحسب ما نعتقده الآن وما نؤمن به فنقول: لا يصلح أن يقع منا الرجوع إلى الكفر موافقة لإرادتكم ودعائكم لنا، فنحن لن نفعل إلا أن يشاء الله ربنا، أي إذا كان سبق في علمه - تبارك وتعالى - أن يقع منا ذلك، فهو واقع لا محالة؛ لأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فما قدره الله فلا بد أن يحصل.
عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا [سورة الأعراف:89] أي: في أمورنا ما نأتي منها وما نذر.
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ [سورة الأعراف:89] أي: احكم بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم.

يقول: وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [سورة الأعراف:89] الفُتاحة هي الحكومة، والفتح هو الحكم، والفاتح والفتاح هو الحاكم، وهي لغة لبعض العرب حيث يقولون للقاضي: فاتح، وفتاح، ويقال: تعال أفاتحك، يعني تعال أقاضِك.
وقوله: افْتَحْ بَيْنَنَا أي: احكم، والله يقول: إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ [سورة الأنفال:19] يعني إن تطلبوا الحكم بين الفريقين فقد جاءكم الفتح.
وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [سورة الأعراف:89] أي: خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبداً.

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [الأعراف: 88] أي: ليكونن أحد الأمرين: إما إخراجكم، أو عودكم إلى ملة الكفر، فإن قيل: إن العود إلى الشيء يقتضي أنه قد كان فُعِلَ قبل ذلك، فيقتضي قولهم: لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا أن شعيبًا، ومن كانوا معه كانوا أولًا على ملة قومهم، ثم خرجوا منها، فطلب قومهم أن يعودوا إليها؛ وذلك محال، فإن الأنبياء معصومون من الكفر قبل النبوة، وبعدها، فالجواب من وجهين:

أحدهما: قاله ابن عطية: وهو أن (عاد) قد تكون بمعنى (صار) فلا تقتضي تقدم ذلك الحال الذي صار إليه[1].

والثاني قاله الزمخشري: وهو أن المراد بذلك الذين آمنوا بشعيبٍ دون شعيب[2] وإنما أدخلوه في الخطاب معهم بذلك، كما أدخلوه في الخطاب معهم في قولهم: لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ [الأعراف: 88] فغلَّبوا في الخطاب بالعود الجماعة على الواحد، وبمثل ذلك يجاب عن قوله: إن عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ وقوله: وَمَا يَكُونُ لَنَا أن نَعُودَ فِيهَا"."

قوله: أو لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا مضى في الكلام على الغريب أن الملة مشتقة من أمللت؛ لأنها تبنى على مسموعٍ، ومتلو، وأنه إذا أريد الدين باعتبار الدعاء إليه، قيل: ملة، وإذا أريد باعتبار الطاعة، والانقياد فيقال له: دين أو لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا أي: في ديننا. 

وهذه المسألة التي ذكرها المؤلف، وهي هل كان شعيب - عليه الصلاة، والسلام - على ملتهم؟ بمعنى هل الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - على دين قومهم قبل الرسالة، والنبوة؟

وهذه المسألة سبق الكلام عليها في بعض المناسبات، كما في سورة الأنعام في قوله - تبارك، وتعالى - عن إبراهيم - عليه الصلاة، والسلام -: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] هل كان ناظرًا، أو مُناظرًا؟ يعني هل كان يقول ذلك معتقدًا ربوبية الكوكب في أول الأمر، أو قاله على سبيل التنزُّل؟ وقد ذكرتُ في هذا، وفي التعليق على المصباح: أن الأقرب أن الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - لم يكونوا على دين قومهم، وإبراهيم - عليه الصلاة، والسلام - نفى الله عنه الإشراك بفعل الكون الماضي: وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [البقرة: 135] ومثل هذا يكون في الزمن الماضي، وكذلك في وقته الحاضر، وفي مستقبله، فهو لم يكن منهم قط، وهكذا الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - وهذا هو الأقرب.

والجواب على مثل هذا الذي يحتج به من يقول بأن الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - كانوا على دين قومهم، هو أن لفظ (العود) من الأضداد، فيقال: لرجوع الشيء إلى حاله الأولى، كما تقول: عاد فلان إلى طبيعته، أو إلى عمله، أو نحو ذلك.

ويأتي بمعنى الصيرورة، بمعنى صار إلى كذا، وذكرنا أمثلةً لذلك، كقولهم مثلًا: عاد الماء ثلجًا، ولم يكن كذلك، وعاد الطين خزفًا، ولم يكن كذلك، وعاد الصبي شيخًا، ولم يكن كذلك، فهو من الأضداد كما ذكر الثعالبي[3] وكذلك الذي أشار إليه ابن عطية فيما سمعتم قبل قليل، وهو القول الأول، وجوَّز الزجَّاج أن يكون العود بمعنى الابتداء[4] يعني على المعنى الآخر للعود.

والمعنى الثاني الذي ذكره المؤلف نقلًا عن صاحب الكشَّاف: أن ذلك جاء على سبيل التغليب في العبارة، بمعنى أن ذلك باعتبار قومه، فجاء الخطاب عامًا، فغُلِّبَ فيه الأكثر، ولا شك أن قومه الذين آمنوا منهم كانوا على دين قومهم، فجاء ذلك بهذا الاعتبار.

وبنحو هذا المعنى الذي قاله صاحب الكشاف قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -[5]

وأما شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فحمله على ظاهره، وأنه كان على دينهم، وأنه لا غضاضة عليه في ذلك، والله يقول: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15] وأن الله - تبارك، وتعالى - يختار للرسالة، والنبوة خيار الناس عن علمٍ، وحكمةٍ، ومن كان معروفًا بالصدق، والأمانة، وقد تكون الخيرية من جهة النسب.

والشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - ذكر في آية الأنعام التي ذكرتها آنفًا أن إبراهيم - عليه الصلاة، والسلام - قال ذلك مناظرا لا ناظرًا، يعني على سبيل التنزُّل في المناظرة[6] وتكلم على هذه المسألة على كل حال بنحوٍ مما ذكرت.

"قوله تعالى: قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ [الأعراف: 88] الهمزة للاستفهام، والإنكار، والواو للحال، تقديره: أنعود في ملتكم، ونحن كارهون؟" 
  1.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/427).
  2.  تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (2/129).
  3.  تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (3/55).
  4.  معاني القرآن، وإعرابه للزجاج (2/355).
  5.  تفسير ابن كثير ت سلامة (3/448).
  6.  أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/486).