الأربعاء 23 / ذو القعدة / 1446 - 21 / مايو 2025
فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ ۖ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

ثم قال تعالى: كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا [سورة الأعراف:92] أي: كأنهم لما أصابتهم النقمة لم يقيموا بديارهم التي أرادوا إجلاء الرسول وصحبه منها.

يقول الله تعالى: كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا [سورة الأعراف:92] يقال: غنيت بالمكان أي بقيت فيه أو مكثت فيه أو حللت فيه أو نزلت فيه، فهذه المادة "الغَنَى" يعني المكث والحلول بالمكان، تقول: غنينا بأرض كذا، يعني مكثنا فيها، فقوله: كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا [سورة الأعراف:92]  يعني أنها صارت خاوية وخالية كأنهم لم ينزلوا فيها، وذلك أنها صارت لا يمشي فيها أحد، ولا يعمر دورها أحد، وأسواقها فارغة بعد أن أهلكهم الله - تبارك وتعالى -.
ومن مادة "الغنى" يقال: الغَناء، يعني النفع، فيقال: فلان ليس به غَناء، يعني ليس به نفع، ويقال: فلان لا يغني عنك، والغِنَى هو كثرة العرض، نقول: فلان غَنِيّ، والغِناء - بالمد - هو الطرب الخبيث.
ثم قال تعالى مقابلاً لقيلهم: الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ ۝ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [سورة الأعراف:92-93] أي: فتولى عنهم شعيب  بعد ما أصابهم من العذاب والنقمة والنكال، وقال مقرعاً لهم وموبخاً: يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ [سورة الأعراف:93] أي: قد أديت إليكم ما أرسلت به فلا آسف عليكم، وقد كفرتم بما جئتكم به، فلهذا قال: فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [سورة الأعراف:93].

هذا الخطاب من شعيب لقومه يشبه خطاب نبي الله صالح لقومه، حيث قال الله تعالى: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [سورة الأعراف:79].

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [الأعراف: 93] أي: كيف أحزن عليهم، وقد استحقوا ما أصابهم بكفرهم."