الجمعة 26 / شوّال / 1446 - 25 / أبريل 2025
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ سَأَلَ سَآئِلٌۢ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المصنف - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ۝ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ۝ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ۝ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ۝ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ۝ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ۝ وَنَرَاهُ قَرِيبًا [المعارج:1- 7].

سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ فيه تضمين دل عليه حرف الباء كأنه مقدر: استعجل سائل بعذاب واقع كقوله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ [الحج: 47] أي: وعذابه واقع لا محالة، وقال العوفي عن ابن عباس: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ قال: "ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله"، وهو واقع بهم، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: "سَأَلَ سَائِلٌ دعا داعٍ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ يقع في الآخرة قال: وهو قولهم: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال: 32]".

فهذه السورة يقال لها: سورة المعارج، ويقال لها: سورة سَأَلَ سَائِلٌ، وهي سورة مكية باتفاق أهل العلم.

وقوله - تبارك وتعالى - في صدر هذه السورة: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، سَأَلَ سَائِلٌ قراءة الجمهور هكذا بالهمز: سَأَلَ وهذا من السؤال، وما أورده الحافظ ابن كثير - رحمه الله - من التفسير فإنما يرجع إلى هذه القراءة، هذه الأقوال التي ذكرها قال: "فيه تضمين دل عليه حرف الباء كأنه مقدر: استعجل سائل بعذاب واقع" يعني طلبَ وقوعَه.

السؤال هنا يعني طلب الوقوع: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ [الحج:47]، وليس على هذا المعنى السؤال: متى يكون العذاب؟ متى يقع العذاب، على هذا المعنى ليس كذلك، وإنما سَأَلَ بمعنى استعجل، طلب وقوعه: عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا نصيبنا يعني قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ [ص: 16]، وهكذا أيضًا قول من قال: إن ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله، وهو واقع بهم متى يقع ذلك؟ متى يحصل ما تعدنا به؟

وهنا سواء كان ذلك السؤال بمعنى الطلب، أو كان ذلك بمعنى الاستفهام عن هذا العذاب عن وقت مجيئه، متى يقع؟ متى يحصل لهؤلاء الموعودين به؟ فكل ذلك الذي ذكره الحافظ ابن كثير هنا يرجع إلى هذه القراءة، بالهمز: سَأَلَ سَائِلٌ ويكون ذلك على هذا: دعا داعٍ سَأَلَ بمعنى دعا، طلب، أو استفسر، واستفهم عن وقت مجيء هذا العذاب، وبعضهم على هذا يقول: إن "الباء" بمعنى "عن" سَأَلَ سَائِلٌ عن عذاب واقع، وكما هو معلوم أن حروف الجر يحصل فيها التضمين، يضمن بعضها معنى بعض سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ أي: عن عذاب واقع.

إذا قلنا: هذا بمعنى الاستفهام، السؤال بمعنى الاستفهام، أو يكون ذلك لتضمين سَأَلَ معنى طلب، دعا، والأفعال أيضًا فيها التضمين؛ كما ذكرنا ذلك في مناسبات سابقة.

القراءة الأخرى وهي قراءة متواترة، قراءة نافع وابن عامر: "سال" بدون همز.

فما معنى هذه القراءة؟

يحتمل أنها تكون بمعنى القراءة السابقة على التخفيف "سال" تخفيف الهمزة، فتكون بمعنى القراءة السابقة، وهذا معروف في اللغة أن الهمزة تنقلب ألفًا، للتسهيل، والتخفيف في النطق، وهذا كثير، أو يكون من السيلان كما يقول بعضهم.

ما هذا السيلان؟ ما المراد به؟

بعضهم يقول: سال وادٍ في جهنم، بعذاب واقع.

طيب سائل؟

قالوا: هذا الوادي يقال له: سائل، سال سائل، هذا جاء عن زيد بن ثابت، وقد يبدو هذا القول بعيدًا لأول وهلة، ولكن يؤيده قراءة ليست متواترة مروية عن ابن عباس، وكما هو معلوم أن القراءة الشاذة تفسر القراءة المتواترة، هذه القراءة الشاذة: "سال سيل" هذه لا يمكن أن تفسر بتسهيل الهمز، "سال سيل بعذاب واقع"، وبعضهم يفسر: "سال" بمعنى التمس، يعني التمس ملتمس بعذاب أو عذابًا للكفار، لكن هذا يرجع إلى معنى قراءة الهمز: سَأَلَ بمعنى طلب، هل هو طلبه لنفسه كما سبق في القراءة الأولى أنهم يستعجلون: وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا [ص: 16]، إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال: 32]، فهذا يرجع إليه - والله أعلم -.

وسَأَلَ سَائِلٌ عذابًا للكفار، هؤلاء يقولون: "الباء" زائدة بِعَذَابٍ وَاقِعٍ.

والأولون يقولون: إن ذلك بمعنى "عن"، يعني "الباء" بمعنى "عن"، مضمنة "عن"، أو أن الفعل سَأَلَ مضمن معنى الطلب، وقد بيَّنا أن تضمين الفعل معنى الفعل أولى، وأكمل بالمعنى، فهؤلاء الذين يقولون: إنها زائدة، يقولون كقوله تعالى: تَنبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون:20] - كما سبق - يعني تُخرِج الدهن، فإنه يعصر منها، ولكن هذا أحد الأقوال في الآية، والأصل عدم الزيادة - والله أعلم -.

وهناك قراءة شاذة أخرى، عن ابن مسعود : "سال سال" يعني من غير همزة في الأولى، والثانية.

وبعض أهل العلم يقولون: إن حذف الهمزة من قوله: سَأَلَ من باب التخفيف، وله نظائر أيضًا في اللغة.

سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ هذا السائل هنا مبهم، ولا حاجة لتحديده، وقد روي عن السلف روايات كثيرة في هذا السائل من هو، لكن ظاهر الآية أن هذا السائل من الكفار، وقد أخبر الله - تبارك وتعالى - عن سؤالهم عن العذاب متى يقع، تارة على سبيل الاستهزاء، أو الاستبعاد، وأيضًا صح عن ابن عباس - ا - تحديد هذا السائل، ولكن لا حاجة إلى هذا.

ابن جرير - رحمه الله - ذهب إلى أن المعنى: سَأَلَ سَائِلٌ من الكفار عن عذاب الله بمن هو واقع، وسؤالهم كانت مقاصده متفاوتة كما هو معلوم، لكن الغالب أنهم كانوا يسألون استبعادًا لهذا العذاب.

قول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ قال: فيه تضمين دل عليه حرف "الباء"، وقد ذكرنا: أن التضمين أن يشرب الفعل، أو ما يقوم مقامه معنى فعل آخر، أو ينوب حرف في المعنى عن معنى حرف آخر، فهنا يقول: "فيه تضمين دل عليه حرف "الباء" سَأَلَ مضمن معنى فعل آخر يصح أن يعدى بـ"الباء".

ما الذي يصح أن يعدى بـ"الباء"؟

"دعا" دعا داع بعذاب واقع، دعا بعذاب، لكن سَأَلَ إذا قلنا: إن التضمين بالحرف، يكون بمعنى "عن"، الباء بمعنى "عن" سَأَلَ سَائِلٌ عن عذاب واقع، وقلنا: إن تضمين الفعل معنى الفعل أبلغ؛ لأنه يكون أوفر في المعنى، فيحصل معنى الفعل المصرح به، والفعل الآخر المشرب بهذا الفعل المضمن فيه الذي دلت عليه التعدية، الحرف المعدى به.

وسَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ أي حاصل لا محالة.

"وقوله تعالى: وَاقِعٍ ۝ لِّلْكَافِرينَ أي: مُرصَد معد للكافرين، وقال ابن عباس: وَاقِعٍ جاءٍ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ أي: لا دافع له إذا أراد الله كونه، ولهذا قال تعالى: مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ".

في قوله - تبارك وتعالى -: بِعَذَابٍ وَاقِعٍ هنا قال: وَاقِعٍ ۝ لِّلْكَافِرينَ أي مرصد معد للكافرين، قال ابن عباس: وَاقِعٍ جاءٍ، أي آت لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ، قوله: لِّلْكَافِرينَ هذه صفة أخرى لهذا العذاب، الصفة الأولى: أنه واقع، والصفة الثانية: أنه وَاقِعٍ ۝ لِّلْكَافِرينَ أي كائن لهم لا محالة.

ويحتمل أنه متعلق بـ وَاقِعٍ وأن اللام للعلة، وعلى هذا وصْلُ هذا الموضع بقوله: وَاقِعٍ ۝ لِّلْكَافِرينَ يعني يكون قوله: لِّلْكَافِرينَ مرتبطًا بـوَاقِعٍ، واضح الفرق؟

الفرق الأول: أنه يرتبط بقوله: بِعَذَابٍ ما هذا العذاب؟ وَاقِعٍ هذه صفته الأولى، هذا العذاب للكافرين، وهو واقع بهم لا محالة، فأوصاف هذا العذاب: أنه واقع، وأنه معد للكافرين.

المعنى الثاني: أنه متعلق بقوله: وَاقِعٍ سأل سائل بعذاب واقع للكافرين.

ويحتمل أنه متعلق بـسَأَلَ على تضمينه معنى: دعا، يعني: دعا للكافرين بعذاب واقع.

على هذا من الذي دعا؟

بعضهم يقول: يحتمل أن يكون النبي ﷺ هو الذي سأل بعذاب واقع، يعني طلب عذابًا يقع للكفار، سأل للكافرين، دعا للكافرين، طلب للكافرين عذابًا يقع بهم.

ويحتمل أن تكون "اللام" في لِّلْكَافِرينَ بمعنى "على"، مضمنة معنى "على"، سأل سائل بعذاب واقع على الكافرين، وهذا تؤيده قراءة أُبيّ، وهي قراءة غير متواترة يقول: "بعذاب واقع على الكافرين"، والفراء يقول: "التقدير: بعذاب للكافرين واقع بهم"، وهذه كلها احتمالات، وإذا تأملتَ هذا في هذه الجملة القصيرة رأيت هذه الاحتمالات القريبة - وإنما تركتُ الاحتمالات البعيدة قصدًا - فتدرك أن هذا القرآن أولاً يحتاج إلى عناية، وأن يقبل العبد عليه بكليته، فإنه قد لا يخطر بباله من هذا الموضع إلا معنى واحدًا لا يحتمل، هذا إذا فهم ظاهر الآية، لكن حينما يتفتق الذهن عن هذه المعاني يدرك الإنسان تقصيره مع كتاب الله ، وإن لم يكن المكلف مطالبًا بالتعرف على هذه المعاني، والتفاصيل، لكن يدرك أنه لم يعرف من معاني القرآن إلا النزر الأقل، وليس القليل.

لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ لا دافع له إذا أراد الله كونه، ولهذا قال: مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ.

"قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ذِي الْمَعَارِجِ يعني العلو، والفواضل، وقال مجاهد: "ذِي الْمَعَارِجِ معارج السماء"".

هنا ذِي الْمَعَارِجِ عن ابن عباس: "يعني العلو، والفواضل" يعني فسره بأمر معنوي، أنه رفيع الدرجات.

وقول مجاهد: الْمَعَارِجِ معارج السماء، يعني فسره بأمر حسي ذِي الْمَعَارِجِ معارج السماء، يعني الدرجات التي تصعد فيها الملائكة، وبعضهم فسر هذه بالسماوات كما جاء عن الكلبي، باعتبار أن الملائكة تصعد فيها ذِي الْمَعَارِجِ تعرج فيها.

وبعضهم يقول غير ذلك كمن فسره بما سبق من الفضائل، والمراتب، أو الدرجات، أو العظمة.

"وقوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: "تَعْرُجُ تصعد"، وأما الروح فقال أبو صالح: "هم خلق من خلق الله، يشبهون الناس وليسوا ناسًا"، قلت: ويحتمل: أن يكون المراد به جبريل، ويكون من باب عطف الخاص على العام، ويحتمل: أن يكون اسم جنس لأرواح بني آدم، فإنها إذا قبضت يصعد بها إلى السماء، كما دل عليه حديث البراء".

قوله - تبارك وتعالى -: مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ابن جرير - رحمه الله - فسره بذي العلو، والدرجات، والفواضل، والنعم، يعني فسره بهذا الذي يرجع إليه - تبارك وتعالى -، ولهذا فإن بعض السلف فسر: ذِي الْمَعَارِجِ بمراتب النعم.

وابن جرير جمع هذا النوع من المعاني، وترك الآخر: أن ذلك معارج الملائكة: مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ۝ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ هذا يمكن أن يكون قرينة للقول الآخر: أنها معارج الملائكة، ولا يبعد أيضًا أن تكون الآية منتظمة للنوعين من المعنى أنه ذو المراتب، والدرجات العالية: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ [غافر: 15] فذكر رفعة الدرجات مع العرش؛ العلو، وهنا قال: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فهذا قد يكون قرينة على أن المراد بهذه المعارج معارج الملائكة، وكل هذا يدل على العلو، فإن من أنواع الأدلة الدالة على علو الله على خلقه: الإخبار بعروج الملائكة والروح إليه، تعرج إليه، صعود بعض الأشياء إليه هذا أحد الأنواع، وتحته أفراد من الأدلة.

والحافظ الذهبي في كتابه: "العلو" لما ذكر الأنواع، كذلك في شرح الطحاوية، وهو مأخوذ من كلام الحافظ ابن القيم، وشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، ذكروا من أنواع الأدلة الدالة على العلو هذا الإخبار بعروج بعض الأشياء، صعود بعض الأشياء إليه، فهذا يدل على علو الله ، فالله - تبارك وتعالى - رفيع الدرجات، له العلو المطلق، علو الذات، وعلو القدر والمنزلة، وعلو القهر، وكل ذلك حاصل له مع علو الذات، وكذلك هنا هذه الآية تحتمل هذا وهذا، وقد تكون دالة على المعنيين - والله أعلم -.

تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فذكْرُ عروج الروح، والملائكة؛ قد يكون قرينة تدل على المعنى الآخر أن المعارج: معارج الملائكة، هنا: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ الملائكة تصعد، وَالرُّوحُ ما المراد بالروح؟ وسيأتي الكلام على هذا في قوله - تبارك وتعالى -: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ [النبأ: 38] ما المراد بالروح؟

هنا قال: قال أبو صالح: "هم خلق من خلق الله، يشبهون الناس وليسوا ناسًا"، وهذا لا دليل عليه، يقول ابن كثير: "ويحتمل أن يكون المراد به جبريل " وهذا هو الأقرب، وهو الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله - أن الروح هو جبريل ﷺ؛ لأن القرآن يفسر بالقرآن، وجبريل ﷺ سماه الله بذلك: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل: 102]، ويكون ذلك من قبيل عطف الخاص على العام: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فخص جبريل ﷺ لكونه بمنزلة عند الله - تبارك وتعالى -، لعظم منزلته، لعظم شرفه، ومكانته، ولهذا قال الله : مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ [البقرة: 98] مع أن جبريل وميكال - عليهما السلام - من جملة الملائكة، فيكون من قبيل عطف الخاص على العام، وهذا يكون لغرض - كما هو معلوم - من التشريف، والاهتمام، ونحو ذلك.

يقول: "ويحتمل أن يكون اسم جنس لأرواح بني آدم، فإنها إذا قبضت يصعد بها إلى السماء كما يدل عليه حديث البراء"، وهذا بمعنى قول من قال: إن الروح أرواح الموتى يصعد بها، هذا معنى كلام ابن كثير - رحمه الله -، وبعضهم يقول: "الروح ملك عظيم من الملائكة، يقال له: الروح"، يعني هؤلاء لا يقولون: إنه جبريل ، وإنما يقولون: ملك يقال له: الروح، لكن أقوى هذه الأقوال قول من قال: إنه جبريل ﷺ؛ لأن الله سماه روحًا.

وأيضًا لا يبعد قول من قال: إن المراد به أرواح بني آدم؛ لأن النبي ﷺ أخبر أنها تصعد، كما يدل عليه حديث البراء، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة.

"وقوله تعالى: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ المراد بذلك يوم القيامة.

روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قال: "يوم القيامة" وإسناده صحيح، ورواه الثوري عن سماك بن حرب عن عكرمة: "فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يوم القيامة"، وكذا قال الضحاك وابن زيد، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قال: "هو يوم القيامة، جعله الله - تعالى - على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة"[1]، وقد وردت أحاديث في معنى ذلك.

هنا هذا اليوم الذي كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ هذا قول الأكثر أنه يوم القيامة، يوم طويل، عسير على الكافرين، ويخفف على المؤمنين، لكن هذا ليس محل اتفاق بين أهل العلم، فإن بعضهم يقول: إن هذه المدة المذكورة ليست يوم القيامة، وإنما هي مدة الصعود بالنسبة لغيرهم يعني عروج الملائكة إلى المكان، أو عروجها إلى ربها - تبارك وتعالى - في وقت، يعني بعضهم يقول: إلى المكان الذي هي فيه يعني منازلها من السماء، لكن هنا قال: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فمقدار ذلك بالنسبة لغيرهم لو تهيأ له الصعود يحتاج خمسين ألف سنة، هذا قال به جماعة من السلف، وروي عن مجاهد، والكلبي، ووهب بن منبه، وابن إسحاق.

وجاء عن بعض السلف كمجاهد أيضًا رواية وعكرمة: "أن مدة عمر الدنيا هذا المقدار، فلا يدري أحد كم مضى، ولا كم بقي، لا يعلم ذلك إلا الله"، ولكن هذا بعيد.

هنا الكلام عن العروج: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فالأكثر أن المراد به يوم القيامة، يوم طويل، وبعضهم يقول: المراد أن مقدار الأمر فيه - يعني يوم القيامة - لو تولاه أحد من المخلوقين فإنه يحتاج إلى خمسين ألف سنة كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ بالنسبة لغير الله ، وأنه يفرغ من حساب الخلق في ساعة.

لكن هذا لا يخلو من إشكال، بالنسبة ليوم القيامة، ومدة يوم القيامة يعني لو تولاه غيره، بل هو يوم القيامة يوم طويل، ولكنه يخفف على المؤمن، ولهذا قال بعضهم: إن مدة الوقوف للحساب هي بهذا المقدار، ثم يصير أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، وقيده بعضهم بالنسبة للكافرين؛ لأنه يطول عليهم، لكن على كل حال هو مدة ذلك اليوم، لكن يخفف على المؤمن، وهذا هو الأشهر، والأقرب.

وهذه الآية فيها سؤال معروف عند أهل العلم، وهو وجه الجمع بينها وبين الآية الأخرى في سورة السجدة: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [السجدة: 5] الله - تبارك وتعالى - يقول: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ۝ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ۝ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [السجدة:3- 5].

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ هنا لم يذكر يوم القيامة، هذه الآية لا تعلق لها بيوم القيامة؛ وإنما في تدبير الأمر، وعروج ذلك إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما يعده الخلق، فبعض أهل العلم ممن لم يفسر اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة بيوم القيامة يقولون: إن مدة العروج من الأرض السابعة إلى السماء السابعة بخمسين ألف سنة، والنزول من أعلى من السماء الدنيا إلى الأرض ألف سنة مع العروج، يعني يقولون: إن ما بين السماء الدنيا والأرض خمسمائة عام، فينزل ويصعد، فالمجموع ألف سنة: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ فهذا من السماء إلى الأرض نزولاً وعروجًا، يقولون: خمسمائة سنة نزول، وخمسمائة سنة عروج.

لكنّ الخمسين ألفًا المذكورة هنا في سورة المعارج، يقولون: إذا عرجت من أسفل العالم إلى العرش فهذا يكون خمسين ألف سنة، وبعضهم يقول غير ذلك، وابن عباس - ا - سئل عن هذا، قال: "هما يومان أخبر الله عنهما"، وتوقف عن الجواب، تورع عن الجواب.

وعلى كل حال هما يومان: المشهور: أن الأول هو يوم القيامة: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وبعض أهل العلم قال: كلاهما في الصعود، والعروج، لكن هو صعود وعروج متفاوت، فما كان من الأرض السابعة إلى العرش هذا في خمسين ألف سنة، وما كان دون ذلك من الأرض إلى السماء نزولاً وصعودًا هذا في ألف سنة.

وهذه السنوات هل هي بالسنوات التي عند الخلق؟

"خمسين ألف سنة" هذا ظاهره - والله أعلم -؛ لأنه قال: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ يعني مقداره في حسابكم، وهو يوم واحد، وكذلك أيضًا في قوله في الآية الأخرى: مِّمَّا تَعُدُّونَ فهذا اليوم عند الله - تبارك وتعالى - بألف سنة: وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ [الحج: 47] فهذا بحساب الله - تبارك وتعالى - اليوم الواحد، لكن يوم القيامة يوم طويل بخمسين ألف سنة.

صعود الملائكة وعروجها في غير يوم القيامة تصعد وتنزل في يوم من أيام الله - تبارك وتعالى -، هذا اليوم من أيام الله بمقدار ألف سنة عند المخلوقين.

وإذا كانت هذه التقديرات هي بحساب المخلوقين يعني: مِّمَّا تَعُدُّونَ فهذا يكذب ما يقوله أهل الفلك من المعاصرين مما يذكرونه من السنوات الضوئية، فهم يتكلمون ليس على السماء، ولا على العرش، وإنما يتكلمون عن النجوم، فيتحدثون عن مئات السنوات الضوئية، ومعروف سرعة الضوء، وأنها لا تقاس بغيرها، ولهذا يتكلمون عن هذه النجوم التي نشاهدها، ويذكرون أن بعضها قد زال منذ زمن طويل جدًّا، وإنما بقي ما نشاهده فقط؛ لأن ذلك لم يصل إلينا؛ لأنه يحتاج إلى مدة طويلة حتى نرى الأثر، وأن بعض النجوم تذهب، وتضمحل، وتتلاشى، لكن نبقى نشاهدها سنوات طويلة؛ لبعدها، فهي تلاشت لكن متى يصل إلينا بسرعة الضوء؟، هذا يحتاج إلى وقت طويل، سنين طويلة عند هؤلاء قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ [الذاريات:10] هؤلاء يرمون: بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ [سبأ:53]، وللأسف يجدون من يصدقهم، فكل ذلك إنما هو أشياء يفترضونها، وظنون يظنونها، ولكن الذي أخبر عن هذا الخلق يخبرنا عن هذه الأمور في الصعود والعروج - والله تعالى أعلم -.

الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله - في الخمسين ألفًا: أن ذلك مقدار صعود الملائكة وليس يوم القيامة، مقدار صعود الملائكة في يوم لغيرهم من الخلق، لغير الملائكة لو صعدوا يحتاجون خمسين ألف سنة، يصعدون في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يعني فيما لو أراد أحد أن يصعد يحتاج خمسين ألف سنة حتى يصعد، حتى يقطع هذا الذي يقطعونه في يوم.

"وروي الإمام أحمد عن أبي عمر الغُدَاني قال: "كنت عند أبي هريرة فمر رجل من بني عامر بن صعصعة، فقيل له: هذا أكثر عامري مالاً، فقال أبو هريرة: ردوه إليّ، فردوه، فقال: نبئت أنك ذو مال كثير؟ فقال العامري: "إي والله إن لي لمائة حُمرًا، ومائة أُدْمًا"".

يعني بالحمر والأدم الإبل بألوانها، فهي أشرف أموال العرب؛ حمر النعم.

"حتى عد من ألوان الإبل، وأفنان الرقيق، ورباط الخيل، فقال أبو هريرة: إياك وأخفاف الإبل، وأظلاف النعم، يردد ذلك عليه؛ حتى جعل لون العامري يتغير، فقال: ما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدتها، ورِسْلها قلنا: يا رسول الله ما نجدتها، ورسلها؟ قال: في عسرها، ويسرها؛ فإنها تأتي يوم القيامة كأغذّ ما كانت، وأكثره، وأسمنه، وآشره، ثم يُبطح لها بقاع قَرقر ".

قرقر: أي مستوٍ ، وقوله: في عسرها يعني في حال كونها هزيلة، ويسرها في كون هذه الدواب ممتدة الخواصر، متصفة بالسمن، فهو يخرج حق الله فيها.

"..فتطؤه بأخفافها، فإذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين الناس، فيُرى سبيله...".

تأمل في هذا الحديث يفسر الآية: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وإن لم يكن النبي ﷺ قد تطرق لها، فهذا من تفسير القرآن بالسنة، من النوع الآخر الذي يربط فيه المفسر بين الآية والحديث، مع كون النبي ﷺ لم يتطرق للآية، فهذا نوعان: نوع منه في غاية الوضوح مثل هذا، ومثل: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر: 23] مع قوله: يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها[2]، ما ذكر النبي ﷺ الآية: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ لكن واضح الارتباط.

وتارة يكون هذا الارتباط بين الآية والحديث ليس بذلك الوضوح، فقد يخطئ المفسر حيث يجتهد في الربط بينهما، ولا يوجد ارتباط، ولهذا ذكرنا في بعض المناسبات: أن تفسير القرآن بالسنة على نوعين: نوع لا يدخله الاجتهاد - اجتهاد المفسر -، وهو ما ذكر فيه النبي ﷺ الآية مثل: وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [الأنعام:82] فسرها النبي ﷺ بالآية الأخرى في سورة لقمان: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] فهذا لا مجال للاجتهاد فيه، فإذا صح سنده فإنه يوقف عنده.

النوع الثاني: ما لم يتطرق فيه النبي ﷺ للآية، فهذا نوعان من جهة الوضوح، هذا يجتهد فيه المفسر، لكن منه ما يكون في غاية الوضوح، ومنه ما لا يكون كذلك، وقد يقع فيه الخطأ للمفسر من كونه يجتهد في الربط بين الآية والحديث، فإذا قيل: التفسير في السنة هل يدخله الاجتهاد؟ هل للاجتهاد فيه مدخل؟ يقال: فيه تفصيل.

"وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها، ورِسلها؛ فإنها تأتي يوم القيامة كأغذّ ما كانت، وأكثره، وأسمنه، وآشره، ثم يُبطح لها بقاعٍ قَرقر، فتطؤه كل ذات ظِلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، ليس فيها عقصاء، ولا عضباء، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين الناس فيُرى سبيله، وإذا كانت له غنم لا يعطي حقها في نجدتها، ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذّ ما كانت، وأسمنه، وآشره، حتى يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه كل ذات ظِلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، ليس فيها عقصاء، ولا عضباء، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله فقال العامري: وما حق الإبل يا أبا هريرة؟ قال: أن تُعطي الكريمة، وتمنح الغزيرة، وتُفقر الظهر، وتسقي الإبل، وتُطرق الفحل وقد رواه أبو داود والنسائي[3]".

قوله: في عسرها، ويسرها فإنها تأتي يوم القيامة، في عسرها، ويسرها قلنا: إذا كانت هزيلة أو كانت في حال من السمن، في حال من السمن يشتد عليه إخراجها، يصعب عليه إخراجها؛ لأنها تكون في حال تنجذب إليها النفوس، ويحرص عليها صاحبها، بخلاف ما إذا كانت في حال من الهزال، والضعف، فهنا قوله: فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت فسر أغذ بأسرع ما كانت.

وقوله - عليه الصلاة والسلام - عن الغنم: تنطحه كل ذات قرن بقرنها ليس فيها عقصاء، ولا عضباء، العقصاء ملتوية القرنين، والعضباء التي انكسر قرنها الداخل.

وقوله ﷺ: تعطي الكريمة، وتمنح الغزيرة يغني غزيرة اللبن يعطيها لآخر، من أجل أن ينتفع بلبنها، وتُفقر الظهر يعني تمنحه للركوب، والحمل، يُحمل عليه لمن ليس عنده ذلك.

والمقصود بالظهر الدابة تعير الدابة لمن يركب، أو لمن يحمل عليها متاعه، وتُطرق الفحل يعني تعطيه لمن له نوق من أجل الضِّراب، لا يمنع من ذلك، ولا يكون ذلك بأجرة، بمقابل، لا يجوز بيع عسْب الفحل؛ هذا حرام لا يجوز، أيًّا كانت صفته، لا من الإبل، ولا من البقر، ولا من غيرها، وهذا الآن يباع، وأحيانًا بالملايين، البقر مثلاً يقال: الثور الهولندي ضخم جدًّا، منذ أن يخرج من هناك يبدأ العد بالساعة؛ إلى أن يصل إلى أقاصي الدنيا؛ من أجل الضراب، بالساعة إلى أن يرجع إلى مكانه، كل هذه مدة محسوبة، هذا لا يجوز، وكذلك ما يباع من أمصال فيها من ماء هذا الثور أو الحيوان؛ يعني بدلاً من أن يخرج هذه المسافة إلى الشرق تباع أمصال فيها حيوانات منوية من هذا الحيوان، فهذا لا يجوز.

"روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جُعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جبهته، وجنبه، وظهره، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار وذكر بقية الحديث في الغنم والإبل - كما تقدم - وفيه: الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر إلى آخره، ورواه مسلم في صحيحه بتمامه منفردًا به دون البخاري، والغرض من إيراده هاهنا قوله: حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة[4]، هذا هو المشهور الذي عليه الجمهور، أن المراد بـخمسين ألف سنة هو يوم القيامة، والأحاديث تدل على هذا، وأن المراد بـألف سنة هو يوم الصعود والعروج غير يوم القيامة.
  1. شعب الإيمان (1/555).
  2. رواه مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها وما تأخذ من المعذبين، رقم (2842).
  3. رواه الإمام أحمد في المسند، رقم (10350)، وابن خزيمة (2322) وأبو داود، كتاب الزكاة، باب في حقوق المال، رقم (1658، 1659،1660)، وقال محققو المسند: "حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف" وقال الألباني: "صحيح" كما في صحيح أبي داود (1463)
  4. رواه أحمد، رقم (7563)، ومسلم، كتاب الكسوف، باب إثم مانع الزكاة، رقم (987).