الجمعة 26 / شوّال / 1446 - 25 / أبريل 2025
فَٱصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا أي: اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك، واستعجالهم العذاب استبعادًا لوقوعه؛ كقوله: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ [الشورى: 18] ولهذا قال: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا أي: وقوع العذاب، وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع، بمعنى مستحيل الوقوع وَنَرَاهُ قَرِيبًا أي: المؤمنون يعتقدون كونه قريبًا، وإن كان له أمد لا يعلمه إلا الله ، لكن كل ما هو آتٍ فهو قريب، وواقع لا محالة".

قوله - تبارك وتعالى -: فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا الصبر الجميل هو الذي لا جزع معه ولا تسخط.

والهجر الجميل الذي لا أذى معه.

وقوله - تبارك وتعالى -: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا يعني يرون العذاب الذي سألوا عنه الواقع بهم لا محالة، يرون ذلك بعيدًا، المقصود به عذاب يوم القيامة، لكونهم ينكرون البعث، وقيام الساعة.

وقوله - تبارك وتعالى -: وَنَرَاهُ قَرِيبًا ابن كثير - رحمه الله - حمل ذلك على المخلوقين: "نراه" يعني أهل الإيمان يعني يعتقدونه قريبًا، وإن كان له أمد لا يعلمه إلا الله، لكن كل ما هو آتٍ فهو قريب.

لكن هذا قد يقال: إنه خلاف الظاهر؛ لأن ذلك جاء بضمير المتكلم: وَنَرَاهُ قَرِيبًا جاء بصيغة المتكلم: نراه قريبًا، نراه نحن قريبًا، فكون ذلك يحمل على المؤمنين ولم يكن لهم ذكر، قد يقال: إنه خلاف الظاهر، لكن الذي حمله على هذا هو باعتبار أن ما كان في علم الله - تبارك وتعالى - فهو جزم، وليس من قبيل الشيء الذي يكون مرجحًا أو نحو ذلك، مع أن هذا ليس فيه ما يدل على هذا نراه قريبًا يعني الرؤيا هنا علمية، يعني نعلمه قريبًا، فهذا علم وليس بظن، ولا توقع، ولهذا فإن بعض أهل العلم فسره بهذا، قال: نعلمه كائنًا قريبًا، أن الله يقول: وَنَرَاهُ قَرِيبًا أي: نعلمه واقعًا كائنًا قريبًا، في الوقت الذي حدده، وعلمه - تبارك   وتعالى -، وجهله خلقه.

وبعضهم فسر ذلك أيضًا بما يرجع إلى الله - تبارك وتعالى -، ولكنه ذهب به إلى معنى آخر: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا مستبعد الوقوع، كيف إذا ماتوا، وصاروا ترابًا يبعثون من جديد، ويحاسبون، وَنَرَاهُ قَرِيبًا أي: سهلاً هينًا علينا.

ولكن الأول أظهر، الأول أعني به أنه كائن وواقع لا محالة: نراه نعلمه واقعًا، فيكون ذلك عائدًا إلى الله - تبارك وتعالى - بهذا الاعتبار - والله أعلم -.