ثم قال تعالى:نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ[سورة الإنسان:28] قال ابن عباس -ا- ومجاهد، وغير واحد: يعني خَلْقَهم.
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْأي: خلْقهم، ويدخل فيه كثير من المعاني التي ذكرها السلف، شدهم بالإسار، يقال للأسير ذلك؛ لأنه يربط بالإسار، جلد البعير الطري الرطب، يربط به فإذا يبس فإنه لا يمكن أن يفك إلا بالقطع، يكون قوياً جداً، فالمقصود أن الله شد أسرهم، أي أحكم خلقهم بربط أجزائهم وأبعاضهم ومفاصلهم، أحكم خلقها وأتقنه، فشد هذا الخلق، فصار في غاية الإحكام،نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْأي: أحكمنا هذا الخلق، فكان بهذه الصفة التي ترون، ولو أن ذلك لم يُفعل بهم لكان الإنسان لا يستطيع أن يرفع رأسه، ولا يستطيع أن يرفع يده ولا يستطيع أن يقوم على رجليه، ولا يمشي ولا يتحرك، وإنما هو خلق مشدود قوي أحكم الله تسويته، وتعديله.
وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا[سورة الإنسان:28] أي: وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة، وبَدلناهم فأعدناهم خلقا جديداً، وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة.
وقال ابن زيد، وابن جرير:وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا أي: وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم، كقوله تعالى:إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا[سورة النساء:133]، وكقوله تعالى:إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ[سورة إبراهيم:19-20، وسورة فاطر:16-17].
وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ، هنا في المعنى الأول الذي ذكره أنه يعيدهم ثانية، يقول: نحن خلقناهم هذا الخلق المحكم، ونحن قادرون على إعادتهم ثانية بهذا الإحكام، فإن ذلك لا يعجزه، فعلى هذا يكون من الاستدلال بالخلق الأول،أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ[سورة ق:15]، هل عجزنا عن خلقهم لأول مرة؟ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍأي الإعادة، فتكون بهذا المعنى، والمعنى الثاني:وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْأي: أن الله يذهبهم ويأتي بآخرين بدلاً منهم، وقد يكون هذا هو الأقرب لظاهر السياق -والله تعالى أعلم-، والمعنى الأول محتمل.