ثم قال تعالى:وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ[سورة الإنسان:30] أي: لا يقدر أحد أن يَهدي نفسه، ولا يدخل في الإيمان ولا يجر لنفسه نفعًا،إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًاأي: عليم بمن يستحق الهداية فُييسرها له، ويقيض له أسبابها، ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة؛ ولهذا قال تعالى:إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا، ثم قال تعالى:يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[سورة الإنسان:31] أي: يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ومن يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
آخر سورة الإنسان، ولله الحمد والمنة.
يعني أن هذه الآية أثبت الله فيها مشيئة العبد ومشيئة الرب، وبين فيها أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الرب -تبارك وتعالى-إذ إن العبد لا يستقل بمشيئته وإرادته وقدرته على الفعل استقلالاً تاماً من غير تعلق بمشيئة الرب، فالعبد له مشيئة وإرادة، والله له مشيئة وإرادة، ولا يكون من ذلك شيء إلا بإرادة الله ؛ لأن الخلق خلقه، والملك ملكه، فلا يقع في ملكه إلا ما يريد كوناً، وقد لا يكون مريداً له شرعاً ككفر الكافرين،وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا يعلم كل شيء، ومن ذلك أنه يعلم من هو أهل للهداية، وأيضاً حكيم يضع الأمور في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، والله يقول:فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى[سورة الليل:5-10].