الثلاثاء 20 / ذو الحجة / 1446 - 17 / يونيو 2025
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلْءَاخِرِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ثم قال تعالى معظما لشأنه:وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ۝ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أي: ويل لهم من عذاب الله غداً.

يعني كقوله -تبارك وتعالى- في "أقتت" يقول:قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ[سورة سبأ:30] هذا هو اليوم الآخر الذي يحصل فيه مثل هذا الفصل بين الناس، وهنا قال الله : لِيَوْمِ الْفَصْلِ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ۝ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ[سورة المرسلات:13-15]، تكررت هذه الجملة عشر مرات في هذه السورة، ولا يوجد في القرآن تكرار محض، وأوضح الأمثلة في سورة المرسلات وفي سورة الرحمن التي يمكن أن يقال: إنها تكرار، نفس الآية تتكرر بلفظها وحروفها:فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ[سورة الرحمن:13]، ووَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ،فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يعني: مما ذكر قبله، هذه الأمور، حتى في قوله -تبارك وتعالى-:يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ[سورة الرحمن:44] لما ذكر الحميم والنار قال:فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَاأَبِأي نِعمٍ في الحميم، قال نعم؛ لأنه لا يتبين النعيم على وجهه الكامل إلا بضده وهو الجحيم، فحتى في هذه الأمثلة التي قد تشكل، وأما هنا:وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَفكذلك كل واحد منها يعود إلى ما قبله، فهنا:وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ بهذا اليوم الذي هو يوم الفصل، وهذا أسلوب معروف، حينما تذكر أهوال أمر من الأمور وما يحصل فيه تقول: يا ويل من كذب به، ثم تسترسل وتذكر أوصافاً تقول: يا ويل المكذب، ثم تسترسل تقول: ويل للمكذب، فليس هذا من التكرار المحض.

يقول تعالى:أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ[سورة المرسلات:16] يعني: من المكذبين للرسل المخالفين لما جاءوهم به.

ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ أي: ممن أشبههم؛ ولهذا قال تعالى:كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ۝ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ[سورة المرسلات:18-19].

الآن أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ يعني: الأمم المكذبة الماضية،ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ، بعض أهل العلم كابن جرير الطبري -رحمه الله- جعل ذلك فيمن وقع به الهلاك، فقوله:أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَيعني: الأمم القديمة جداً كقوم نوح وعاد وثمود،ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَوهم قوم إبراهيم وقوم لوط، ومن أهلكهم الله بعد ذلك، ومن أهل العلم من يجعل الثاني على سبيل الوعد، والأول على سبيل الخبر،أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَكل الأمم التي وقع فيها الإهلاك،ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَيعني: أن الله وعد بإهلاك هؤلاء المكذبين بالنبي ﷺ؛ ولهذا جاء في قراءة شاذة بالسين "سنتبعهم"، فيكون ذلك على سبيل الوعد، والقراءة الأحادية تفسر القراءة المتواترةثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ.

ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ أي: ممن أشبههم؛ ولهذا قال:كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ، ظاهر كلام ابن كثير أن ذلك على سبيل الوعد لمن أشبههم في الكفر والتكذيب أنه سيفعل به ذلك ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ.

وقوله:وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَأي: بإهلاك الأولين -قلنا: إن كل واحدة تعود إلى ما ذكرت قبلها- قال ابن جرير: يعني: من المكذبين للرسل المخالفين لما جاءوهم به،ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَأي: ممن أشبههم؛ ولهذا قال:كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ۝ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ، ابن جرير -رحمه الله- يقول: إن الأولين هم الأمم القديمة: قوم نوح وعاد وثمود، والآخرين هم أصحاب مدين، وقوم لوط، وقوم إبراهيم، ومن جاء بعدهم، فيفرق ابن جرير بين هذا وهذا، إلا إذا كان مراد ابن كثير -رحمه الله-: أي: بمن أشبههم ممن أهلك، من الأمم المهلكة، فهذا قول ابن جرير، يعني: الذين جاءوا بعدهم، بعد المتقدمين، والله أعلم.