السبت 22 / جمادى الآخرة / 1447 - 13 / ديسمبر 2025
ٱنطَلِقُوٓا۟ إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: يقول تعالى مخبراً عن الكفار المكذبين بالمعاد والجزاء والجنة والنار أنهم يقال لهم يوم القيامة:انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ۝ انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ[سورة المرسلات:29-30] يعني: لهَب النار إذا ارتفع وصعد معه دخان، فمن شدته وقوته أن له ثلاث شعب،لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ[سورة المرسلات:31] أي: ظل الدخان المقابل للهب لا ظليل هو في نفسه، ولا يغني من اللهب يعني: ولا يقيهم حر اللهب.

وقوله تعالى:إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ[سورة المرسلات:32] أي: يتطاير الشرر من لهبها كالقصر، قال ابن مسعود: كالحصون، وقال ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، ومالك عن زيد بن أسلم وغيرهم: يعني أصول الشجر.

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الله لهؤلاء المكذبين وما يلاقونه من الجزاء:انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍأي: أنهم كذبوا بالجزاء والحساب والبعث والقيامة، فيقال لهم على سبيل التأنيب والتوبيخ:انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ انطلقوا إلى هذه النار التي كذبتم بها، انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍأي: له ثلاثة فروع، وذلك أن الدخان إذا قوي واشتد وارتفع فإنه يتفرق في السماء قطعاً، أو يتفرق على أنحاء شتى.

انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍأي: ظل اللهب أو ظل الدخان، ولكنه ليس كالظل الذي يعهدونه في الدنيا، فإنه لا يقيهم الحر، ولا يجدون تحته برداً أو ما يعرف في الظل المعهود.

لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ[سورة المرسلات:31] لا يظلهم ولا يخفف عنهم من حرارة النار.

ثم قال عن هذه النار التي وصف هذا الدخان المتصاعد منها:إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [سورة المرسلات:32] الشرر معروف هو ما يتطاير من النار من القطع الصغار والكبار، كله يقال له: شرر، ووصف الله هذا الشرر بأنه كالقصر، والقصر إذا أطلق عند العرب فإن معناه الأشهر المتبادر هو البناء الذي يكون من الحجارة، فما يبنيه الناس من القصور من الدور من الحجر يقال له القصر، وتأتي هذه اللفظة في كلام العرب لمعانٍ أُخَر، ومن ذلك أنها تطلق على حبال السفن، وهي حبال غليظة جداً، وإذا جمع بعضها إلى بعض صارت كأوساط الرجال، ولكن هذا المعنى أقل شهرة من المعنى الأول، وهناك معنى ثالث يتصل بالنار وما توقد فيه، وهو أنه يطلق على الحطب الذي يكون على ذراع ويكون على أكثر من ذلك كثلاثة أذرع توقد به النار، يقال له: القصر، كما جاء ذلك كله عن ابن عباس -ا-، أعني في تقدير القصر، قال: كنا نعد الحطب للشتاء -يعني يوقد به على قدر ذراع- نسميه القصر، يعني: يجمعون الحطب في الشتاء، وفي بعض الروايات أكثر من هذا التقدير، أطول؛ ولهذا قال بعض السلف: كأصول الأشجار، أصول الأشجار لربما تبلغ ثلاثة أذرع، ولربما تبلغ أكثر من ذلك.

فالمقصود أن الشرارة الواحدة ضخمة، ليست كالشرارة المعهودة في الدنيا بقدر رأس الأصبع أو أقل من ذلك، هذا شررها.

كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ[سورة المرسلات:33] أي: كالإبل السود، قاله مجاهد، والحسن، وقتادة، والضحاك، واختاره ابن جرير.

كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌالجِمالة يعني الجمال، وفي القراءة الأخرى المتواترة: "جِمالات"، والجمالات جمع للجمال، جمال وجمالات،كأنه جمالات صفر يعني: أن هذا الشرر أسود اللون يضرب إلى الصفرة، وذلك من صفة الجِمال المعروفة، وقد ذكرت هذا في أول هذه الدروس عند مناسبةٍ جاء الاستشهاد بها وهي قوله  -تبارك وتعالى-:إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء وذلك في الكلام على أصول التفسير.

فالمقصود أن الصفرة في البقر إذن لا تقال للسواد، لاسيما إذا قُيدت بالفقوع ووصفت بذلك،بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا[سورة البقرة:69]، وأما الجِمال فإن الصفرة تطلق فيها ويراد بها السواد:

تلك خيلِي منهُ وتلك ركابِي هنّ صفرٌ أولادُها كالزبيبِ

 والزبيب لونه غامق، كما يقال: بين السواد والصفرة، السواد الذي يضرب إلى الصفرة يقال له: أصفر في كلام العرب، وليس المقصود به الأصفر الذي تعارف الناس على إطلاقه اليوم، وهو ما ترون في هذه اللوحة أصفر، وإنما المقصود هنا السواد، والنار جاء في حديث حسنه بعض أهل العلم:أوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة[1] إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِبشرر كبير أسود اللون يضرب إلى الصفرة،كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ كالإبل السود، هذا معناه، الشرارة الواحدة كالجمل إما باللون كالجمل الأسود، وإما باللون والحجم كقدر الذراع، وإما كالقصر سوداء.
 

وعن ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير:جِمَالَتٌ صُفْرٌ يعني: حبال السفن.

وروى البخاري عن ابن عباس -ا-:إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ قال: كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك، فنرفعه للشتاء، فنسميه القصر،كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ حبال السفن تجمع حتى تكون كأوساط الرجال،

 

  1. رواه الترمذي، كتاب صفة جهنم عن رسول الله ﷺ، برقم (2591)، والطبراني في المعجم الأوسط، برقم (2583)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (1305).