ثم قال تعالى:هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ[سورة المرسلات:35] أي: لا يتكلمون.
وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ[سورة المرسلات:36] أي: لا يقدرون على الكلام، ولا يؤذن لهم فيه ليعتذروا.
يقول:هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، كما قال عنهم الله في ذلك اليوم:فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا [سورة طه:108]، والهمس نطق، وكذلك يقولون:رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ[سورة المؤمنون:107-108]، وهذا كلام منهم، وكذلك أخبر أنهم يقولون:يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ[سورة الصافات:20]، ويقولون:يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ[سورة يس:52].
فالحاصل أن الله أخبر عن جملة مما يقولونه مفرقاً في كتابه، وذلك لا ينافي بعضه بعضاً، وإنما المقصود أن هذا اليوم يوم طويل، فتارة لا يستطيعون النطق فيه، لا يمكّنون من ذلك، في بعض أوقاته -في بعض أحايينه- لا يتمكنون من النطق:هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَهذه ساعة لا ينطقون فيها؛ لأن العرب إذا أضافت اليوم إلى فعل يفعل فإنها تعني بذلك الساعة والوقت المحدد، تقول: هذا يوم مجيء زيد، أي: ساعة مجيء زيد إلى هذا المكان، وتقول: هذا يوم قلت لك فيه كذا وكذا، أي هذه ساعة قولي لك كذا وكذا، هذا يوم مكافأتك، يعني هذه ساعة مكافأتك،هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَأي: هذا الوقت الذي لا ينطقون فيه، وهم ينطقون في أوقات أخرى بما ذكر:فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا، قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَاوأشباه ذلك، فهو يوم طويل في بعض أحايينه لا ينطقون، وفي بعضها يتكلمون همساً، يغشاهم الذل، وفي بعض الأحايين يتكلمون يقولون:يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا، وما أشبه هذا، فهذا وجه الجمع بين هذه الآيات.
كلام ابن كثير الآنف هو جواب عن سؤال يتبادر إلى ذهن السامع كيف قال هنا:لا يَنْطِقُونَ وفي مواضع أخرى أثبت بعض قولهم؟.