السبت 26 / ذو القعدة / 1446 - 24 / مايو 2025
أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمًا نَّخِرَةً

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ [سورة النازعات:10] يعني مشركي قريش ومن قال بقولهم في إنكار المعاد يستبعدون وقوع البعث بعد المصير إلى الحافرة وهي القبور قاله مجاهد، وبعد تمزق أجسادهم، وتفتت عظامهم ونُخورها."

الحافرة يقول: وهي القبور قاله مجاهد، أصل الحافرة أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ أصل ذلك من قولهم: رجع فلان إلى حافرته، بمعنى رجع إلى حاله الأولى التي كان عليها، كما يقولون: عادت حليمة إلى عادتها القديمة، يعني عاد إلى ما كان عليه.

ويقال: غلب الطبع التطبع، فهنا أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ رجع فلان إلى حافرته يعني إلى حاله الأولى، ويمكن أن يقال هذا في الأمور الحسية، رجع في حافرته أي الموضع الذي جاء منه، فالحافرة عند العرب اسم لأول الشيء، وابتداء الأمر، هذا أصله إذاً أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ يكون بهذا الاعتبار، والقرآن جاء بلغة العرب، وهم يعبرون بهذا، كأنه يتبع حفر قدميه في الأرض، هذا الذي رجع من حيث أتى، فهنا جاءت لفظة الحفر من ابن جرير - رحمه الله - ، ومن ثَمّ لا حاجة إلى القول بأنه القبر -الحفرة -، هذا الذي رجع من حيث جاء قيل: رجع في حافرته، رجع من حيث أتى كأنه يتبع حفر قدميه، الحافرة.

يعني نعود إلى ما كنا عليه، يعني أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ أحياء بعد موتنا، وتفرق أبعاضنا، وأجسامنا في التراب؟ هل نرجع من جديد إلى الحياة؟ هذا معناه، وهذا الذي قاله ابن جرير، وقال به كثير من أهل العلم من السلف، فمن بعدهم.

وبعضهم نظر إلى لفظ الحفر فقال - كما جاء عن مجاهد -: نرجع يعني إلى القبور أحياء في قبورنا، وبعضهم يقول: لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ يعني الأرض، و قيل لها: حافرة؛ قيل: لأنها تُحفر بها قبورهم، سميت حافرة بهذا الاعتبار، يعني نرجع في قبورنا أحياء بعدما تفتتت، وتفرقت أجزاؤنا في التراب، وفارقنا الحياة، ليس المقصود أنه يبقى حيًّا وهو في القبر، لا يقصدون ترجع إلينا الحياة وقد صرنا إلى تلك الحال في القبور، فهم أين هم حتى ترجع إليهم الحياة، فيقولون: هل ترجع لنا الحياة في قبورنا بعد أن صرنا رميما أو رماداً؟ هذا مقصود من قال: ترجع لنا في القبور، لا يقصدون حياة برزخية، وإنما يقصدون الحياة التي يحصل بها الجزاء، والحساب، الحياة الأخروية يعني البعث، هذا مرادهم، وهذا يرجع للمعنى الأول، يعني قول مجاهد: ترجع لنا الحياة في القبور، بهذا الاعتبار، وهذا قال به آخرون من أصحاب المعاني، قال به الخليل بن أحمد، وقال به الفراء في معاني القرآن، كل هذا نظروا فيه باعتبار الحافرة، الحفر يعني الحفرة التي دُفِنّا بها، القبور التي انْمَاعت أجسامنا، وتحللت أبعاضنا  وأجزاؤنا فيها فصرنا تراباً، هل ترجع لنا الحياة بعد هذه الحال فنقوم من قبورنا أحياء؟ إذاً يرجع إلى المعنى السابق.

لكن منهم من قال كابن زيد: الحافرة هي النار، أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ وهذا خلاف قول عامة أهل العلم، وفيه بُعد.

وابن جرير - رحمه الله - يقول: هؤلاء المكذبون بالبعث من مشركي قريش إذا قيل لهم: إنكم مبعوثون بعد الموت يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ إلى حالنا الأولى قبل الممات، فراجعون أحياء قبل مماتنا، وقبل هلاكنا؟ هذا هو المعنى الظاهر - والله تعالى أعلم - وهو مروي عن ابن عباس، وقتادة، والسدي، ولا يخالفه من قال: القبور، فهذا كله بمعنى واحد.

إذاً أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ يعني نرجع أحياء كما كنا بعد أن صرنا إلى تلك الحال من الموت والفناء؟.

"ولهذا قالوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً وقرئ ناخرة، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: أي بالية، قال ابن عباس: وهو العظم إذا بلي، ودخلت الريح فيه."

هم يستبعدون البعث من جديد أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ۝ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً قال هنا: قرئ ناخرة قراءة الجمهور ناخرة، والقراءة الأخرى أيضا متواترة سبعية لحمزة، والكسائي، وأيضا لأبي بكر عن عاصم هاتان القراءتان الآن أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً وناخرة، وبعض أهل العلم يقول: هما بمعنى واحد، نخرة، وناخرة يعني بالية، وبعضهم يفرق بينهما في المعنى فيقول: إن معنى نخرة يعني بالية أصابها البِلاء، فتفتتت، وتلاشت، هذا معنى نخرة عندهم.

والناخرة: قالوا هي المجوفة التي تنخر الرياح في جوفها إذا مرت بها، أنتم تعرفون عوامل التعرية كيف تؤثر في الصخور فإذا جاء الهواء صار لها أصوات، وصفير، العظام بعد مدة طويلة إذا ألقيت في الفلاة مثلا صارت مُخرّقة.

فهنا يقولون: ناخرة يعني مجوفة، تنخر فيها الرياح، نخرت في جوفها، وهذا هو الذي ذهب إليه كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله - : نخرة بالية، ناخرة يعني قد نخرتها، أو مجوفة تنخر الرياح في جوفها، وبعضهم يقول: إن الناخرة التي لم تُنخر بعد، ناخرة يعني سيكون لها ذلك، ستصير إلى ذلك، لم يحصل لها البِلاء بعد، ولكنها في الطريق، هذه الناخرة.

وأما النخرة فهي التي قد بليت، هذا قاله أبو عمرو بن العلاء، وبعض أهل العلم يقول: هما بمعنى واحد نخرة، وناخرة.