أخبر تعالى أن شر ما دبَّ على وجه الأرض هم الذين كفروا، فهم لا يؤمنون، الذين كلما عاهدوا عهداً نقضوه، وكلما أكدوه بالأيمان نكثوه، وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ أي: لا يخافون من الله في شيء ارتكبوه من الآثام، فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ أي: تغلبهم وتظفر بهم في حرب فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ أي: نكل بهم، قاله ابن عباس - ا - والحسن البصري والضحاك والسدي، وعطاء الخرساني وابن عيينة ومعناه: غلّظ عقوبتهم وأثخنهم قتلاً ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم، ويصيروا لهم عبرة، لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ وقال السدي: يقول لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله - تبارك وتعالى - : إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ [سورة الأنفال:56]، حينما حصلت غزوة بدر لم يكن بين النبي ﷺ وبين المشركين عهد، وإنما كانت عهوده ﷺ مع اليهود، وذلك أن النبي ﷺ حينما هاجر إلى المدينة وادع اليهود وعاهدهم، ولهذا قال كثير من السلف: إن المقصود من هذه الآية هم اليهود، ومن أهل العلم من خص هذه الآية ببني قريظة، واختار ابن جرير الطبري – رحمه الله - أن هذه الآية في بني قريظة ونظرائهم ممن عاهدهم النبي ﷺ ووادعهم، أما كفار مكة فلم يكن بينهم وبين النبي ﷺ عهد إلا في غزوة الحديبية في السنة السادسة.