الأحد 13 / ذو القعدة / 1446 - 11 / مايو 2025
وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۝ وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ۝ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة الأنفال:61-63].
يقول تعالى: إذا خفت من قوم خيانة فانبذ إليهم عهدهم على سواء فإن استمروا على حربك ومنابذتك فقاتلهم، وَإِن جَنَحُواْ أي: مالوا لِلسَّلْمِ أي: المسالمة والمصالحة والمهادنة، فَاجْنَحْ لَهَا أي: فمل إليها واقبل منهم ذلك، ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضْعَ الحرب بينهم وبين رسول الله ﷺ تسع سنين، أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأُخَر.


قوله: وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا أي: مالوا، والجنوح هو الميل، تقول: جنحت الإبل بأعناقها، أي: مالت بأعناقها، قال بعض أهل العلم: هذه الآية منسوخة بآية السيف؛ لأن الله قال في الآية الخامسة من سورة براءة: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة التوبة:5] فقالوا: لا مجال للسلم والمصالحة مع العدو الكافر، ولكن القول بالنسخ فيه نظر، والقاعدة: أن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وأنه لا يصار إليه إلا مع التعارض من كل وجه، ولا يوجد معارضة، وقد قال ابن جرير الطبري - رحمه الله - : إن قوله: وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا نزلت في أهل الكتاب الذين يخيرون بين القتال أو الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية للمسلمين عن يد وهم صاغرون، فإذا قبلوا المسالمة ورضوا بدفع الجزية، كف عن قتالهم، وأما أهل الأوثان فإنه لا تقبل منهم الجزية، على خلاف بين أهل العلم في هذه المسألة.
وتجوز المسالمة للكفار إذا كان أهل الإسلام في ضعف لا يستطيعون قتال العدو، وقد اشترط بعض أهل العلم ألا تزيد هذه الهدنة عن عشر سنين؛ لأن النبي ﷺ وادع المشركين عشر سنين، والمقصود ألاَّ تكون الهدنة دائمة؛ لأن المسلمين مأمورون بإعداد القوة ومجاهدة أعدائهم.

وروى عبد الله بن الإمام أحمد عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله ﷺ : إنه سيكون بعدي اختلاف - أو أمر - فإن استطعت أن يكون السلم فافعل[1].


هذا الحديث لا يصح ولكن على فرض صحته، فمعناه - والله تعالى أعلم - يشير إلى ما وقع بين المسلمين من الاختلاف، ووجّه النبي ﷺ ذلك إلى علي وهذا من دلائل نبوته ﷺ.

وقوله: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ أي: صالحهم وتوكل على الله، فإن الله كافيك وناصرك، ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا.
  1. رواه أحمد (1/90)، برقم (695)، وقال محققو المسند: إسناده ضعيف.