الأحد 13 / ذو القعدة / 1446 - 11 / مايو 2025
ٱلْـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا۟ مِا۟ئَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوٓا۟ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ التحريض هو الحث بقوة، فمجرد الحث لا يقال له: تحريض، وقال الله - تبارك وتعالى - : إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وجه ذكر العشرين، والمائة - الله أعلم بمعناه -، ومن أهل العلم من يقول: كانت سرايا رسول الله ﷺ لا تقل عن العشرين، ولا تزيد عن المائة، فذكر هذا وهذا، وقوله: فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ ثم ذكر الألف، قالوا: هذا فيه بشارة بكثرة المجاهدين، وأتباع النبي ﷺ، فالذين كانوا في بدر كانوا ثلاثمائة وأربعة عشر تقريباً، فذكر الله : وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ وهذا ذكره بعض أهل العلم - والعلم عند الله  - وقوله: إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ هذا من المواضع التي يقطع فيها بالنسخ، ودعاوى النسخ في القرآن كثيرة جداً، والذي يثبت منها عدد قليل لا يجاوز أصابع اليدين، وهذا الذي يثبت منها، وهذا المثال من أوضح الأمثلة في النسخ، ولا يستطيع أحد أن يعترض عليه، فقوله: الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ خبر، وقوله: إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ صيغة خبر، والقاعدة: أن الأخبار لا يدخلها النسخ، ولكن إذا كان الخبر يتضمن الإنشاء، الإنشاء يعني الأمر والنهي، فإنه يدخله النسخ، ومن أهل العلم من قال: إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ قال: هذا خبر مضمن معنى الإنشاء أي: فليثبتوا للمائتين، لا يجوز لهم أن يفروا، إذا كانت النسبة بهذا التقدير، فإن زادوا جاز لهم أن ينسحبوا، وعلى كل حال ابن جرير - رحمه الله - ذكر قاعدة في هذا الباب في الأخبار وهي ترجع إلى أن الأخبار التي تتضمن حكماً يدخلها النسخ، لا الخبر المجرد، وهذا ليس خبر مجرد إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ بمعنى أنه بهذا الاعتبار لا يجوز لهم أن يفروا، فلما رفع صار الحكم وجوب ثبات المائة للمائتين، والألف للألفين الضعف، فإن زاد عدد الكفار عن هذا جاز للمسلمين أن ينسحبوا.