يعني أن الإنسان عند ذلك يتجلى له، وهو يعرف حاله، ومصيره معرفة إجمالية إذا مات، وشاهد، وعاين من الأمور الغائبة عنه، ثم بعد ذلك إذا صار البعث عرف من ذلك أعظم مما عرف قبله، فإذا قرأ صحيفته عرف ذلك بالتفصيل، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ، فـ "ما" تدل على العموم يعني: يعلم كل ما أحضر، كل ما عمل، كل ما قدم؛ ولهذا يقولون: يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف: 49]، وسيأتي عن بعض السلف في الكلام على التدبر - إن شاء الله - أنهم ضجوا من الصغائر قبل الكبائر، فقدم ذكر الصغائر، كما قال الله تعالى: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: 6]، هم نسوه إما لكثرة المعاصي، أو لقلة المبالاة، أو لتقادم الزمان، نسوا ذلك كله، ولكن الله أحصاه عليهم.