"قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ [التكوير8-9] هكذا قرأ الجمهور: سُئلَت والموءودة هي التي كان أهل الجاهلية يدسونها في التراب كراهية البنات، فيوم القيامة تُسأل الموءودة على أي ذنب قتلت، ليكون ذلك تهديداً لقاتلها، فإنه إذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذن؟!
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ أي: سَألت، وكذا قال أبو الضحى: سألت أي: طالبت بدمها، وعن السدي، وقتادة مثله.
وقد وردت أحاديث تتعلق بالموءودة، فروى الإمام أحمد عن عائشة عن جُدَامة بنت وهب - أخت عكاشة - قالت: حضرتُ رسولَ الله ﷺ في ناس وهو يقول: لقد هممت أن أنهى عن الغِيلَة، فنظرت في الروم، وفارس فإذا هم يُغيلُون أولادهم، ولا يضر أولادهم ذلك شيئاً، ثم سألوه عن العزل، فقال رسول الله ﷺ: ذلك الوأد الخفي، وهو الموءودة سئلت[1] ورواه مسلم، وابن ماجه، وأبو داود، والترمذي، والنسائي."
الغيلة المقصود بها وطء المرأة وهي ترضع، وكانت العرب تسميه الغيلة، وكان العرب يظنون أن ذلك يوهن عظم الولد، ويكون ضعيفاً، وقال شاعرهم:
فوارس لم يغالوا في رضاعٍ | فتنبوا في أكفِّهم السيوفُ |
لم يغالوا في رضاع يعني: ما وطُئت أمه وهو يرضع، فتنبوا في أكفهم السيوف ينبوا عن الضريبة يزايلها لا يصيبها لضعفه، فأخبر النبي ﷺ أن فارس، والروم يفعلونه فلا يضر الأولاد، فلم ينهَ عنه.
الوأد بعضهم يقول: أصله من الثقل، وأن هذه البنت حينما توضع في حفرة، ويهال عليها التراب، فيثقلها فتموت، أن هذا أصل هذا الإطلاق.
والسؤال يكون تبكيتاً لمن وأدها، لماذا فعلوا بكِ ذلك؟ ما الجرم الذي قارفتيه؟ فهذه عادة كانت عند بعض العرب، وإن شئتم ارجعوا إلى تاريخ العرب مثل كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، وهو من أوسع الكتب التي تذكر تفاصيل - أدق التفاصيل - في حياة العرب، فلو رجعتم إلى الوأد مثلاً يُسمي لكم القبائل التي تئد، ولم يكن كل العرب يفعلون ذلك، وقد مضى الكلام على هذا عند قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ [الأنعام:151] .
وإذا كانت تُسأل تبكيتاً لمن وأدها فكيف بمن قام بوأدها؟! وهنا نقل عن ابن عباس - ا - قال: يعني طالبت بدمها.
"وقال عبد الرزاق: أخبرنا إسرائيل، عن سمَاك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إني وأدت بنات لي في الجاهلية، فقال: أعتق عن كل واحدة منهن رقبة، قال: يا رسول الله، إني صاحب إبل، قال: فانحر عن كل واحدة منهن بدنة[2].
- أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب جواز الغيلة - وهي وطء المرضع - وكراهة العزل (2/1066)، رقم (1442).
- أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الديات، باب ما جاء في الكفارة في الجنين وغير ذلك قال الله تعالى: فتحرير رقبة مؤمنة (8/116)، رقم (16202)، والطبراني في المعجم الكبير (18/337)، رقم (863)، والبزار (1/355)، رقم (238).