الأربعاء 09 / ذو القعدة / 1446 - 07 / مايو 2025
وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَيَصْلَى سَعِيرًا ۝ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا [سورة الإنشقاق:12-13] أي: فرِحًا لا يفكر في العواقب، ولا يخاف مما أمامه، فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل."

هنا قوله: وَيَصْلَى سَعِيرًا كما سبق من أن صلْي النار يكون بدخولها وبمقاساة حرها، "ويصلى سعيرًا" نارًا تتسعر، والسعير من أسماء النار - أعاذنا الله، وإياكم، ووالدينا، وإخواننا المسلمين منها - وَيَصْلَى سَعِيرًا ۝ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا "إنّ" هذه تفيد التعليل، وهذا الذي يسمونه بدلالة الإيماء، والتنبيه، وَيَصْلَى سَعِيرًا ۝ إِنَّهُ كَانَ لماذا يصلى سعيرًا؟ "إنه.." فـ"إنه" هنا تفيد التوكيد، وتفيد التعليل، كأنه يقول: لأنه كان في أهله مسرورًا، والسرور هل هو مذموم؟ سرور هؤلاء مذموم، السرور الذي يكون بالرضا بالحياة الدنيا، والتنعم بها بعيدًا عن الله والدار الآخرة، وبعيدًا عن الإيمان هذا سرور مذموم؛ ولهذا أهل الجنة حينما يدخلون الجنة ماذا يقولون؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [سورة فاطر:34]، ولهذا جاء عن بعض السلف كالحسن: ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف ألا يكون من أهل الجنة؛ لأن أهل الجنة يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ معروف أن الحزَن يكون على أمر مضى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ هم في الدنيا في حزن؟ يحزنون على شيء مضى؟ الجواب: لا، الحزَن قد يعبر به عن الخوف، الخوف هو قلق من أمر مستقبل، والحزَن لأمر ماضٍ، هذا الأصل، لكن قد يستعمل الحُزْن، والحَزَن في أمر مما يتخوفه الإنسان، فهو يرجع إلى قلق قد يكون في الماضي وقد يكون في المستقبل، والغالب في الاستعمال أنه يكون للماضي، هذا بالنسبة للحزن، فهم يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ هذا الحزن مفسَّر، الذي قالوه مفسر بأنه الحزن للدار الآخرة الإشفاق، وإلا فالحزن في الدنيا غير مطلوب أيضًا كما يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: إن الحزن إذا تتابع على القلب أفسده، وأعطبه، وأضعفه، يضعف قوى القلب فلا ينتفع بعمل دنيا ولا عمل آخرة، - نسأل الله العافية -؛ ولهذا استعاذ النبي ﷺ من الحزن، فهو غير مراد إلا أن يكون ذلك من جراء الخوف من الله في الدار الآخرة، إن المؤمن ليصبح حزينًا، ويمسي حزينًا، وما يسعه إلا الحزن، هذه عبارات بعض السلف، ماذا يقصدون به؟ الحزن من الآخرة، أما الحزن على الدنيا، وعلى ما فعل إلى آخره فهذا غير مطلوب، ما فاته من لذات، ما فاته من تجارات، ما فاته من هذا غير مطلوب، ولهذا كان الله ينهى نبيه ﷺ عن الحزن على هؤلاء المكذبين الذين لا يؤمنون، ولا يستجيبون، فنهاه عن ذلك، لا تحزن عليهم، فهؤلاء ممن وصف الله من أهل النار إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا [سورة الإنشقاق:13] ما كان يشفق من الآخرة، ولا كان يحسب لهذا حسابًا، وإذا صدرت منه الأعمال السيئة ما يندم، ولا يحرك ذلك فيه عرقًا؛ لموت قلبه، أما المؤمن فإنه يشعر أن ذنوبه كالجبل يكاد يسقط عليه، فهو خائف، ويتوب، ولهذا من شروط قبول التوبة، وصحتها الندم، وهذا الندم هو حزن يستقر في القلب، أما هؤلاء فإنهم لا يعرفون الله فلا يحصل لهم هذا الندم إطلاقًا على أعمالهم السيئة القبيحة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يراجع نفسه، وأن ينظر هل قلبه يتحرك إذا عصى الله، هل هو مشفق من الدار الآخرة؟ أو أنه يضحك بملء فيه؟ تفوته الصلاة ويضحك بملء فيه، ويضيع حقوق الله، ويفعل المعاصي والجرائم، ويضحك بملء فيه، يخرج من المعصية ويضحك، هذا يكون القلب قد وصل إلى حالة من الضعف، وربما الموت فلا يتأثر.