وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ يعني من الأموات، وبعضهم يقول: من الأموات وغير الأموات، الكنوز "أسطوانات الذهب" كما يعبر بعضهم، فهي تخرج ما في جوفها من الخزائن، من الكنوز كما تخرج الأموات، هذه باعتبار أن الله - تبارك وتعالى - أطلق ذلك، وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا فهذه صيغة عموم، وسعيد بن جبير - رحمه الله - يقول: ألقت ما في بطنها من الأموات، وتخلت ممن على ظهرها من الأحياء، وهنا: ألقت ما في بطنها من الأموات، وتخلت منهم، كأن هذا الأقرب للسياق - والله أعلم -، يقول: قاله مجاهد وسعيد، يعني سعيد بن جبير، لكن سعيد بن جبير يقول: تخلت عن الأحياء الذين على ظهرها، قَالَهُ مُجَاهِد، وَسَعِيد، وَقَتَادَة، وهذا القول الذي ذكره هنا ابن كثير هو الذي اختاره أيضًا ابن جرير، ألقت ما في بطنها من الأموات، وتخلت منهم، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ يقول: كما تقدم.
والجملة هنا، أو الآية مكررة مرتان، والأصل أنه لا يوجد تكرار محض في القرآن، بناء على ذلك فكل جملة ترجع إلى ما قبلها، يعني في الأولى لما أمرها الله - تبارك وتعالى - بالانشقاق انشقت وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ حُق لها أن تستجيب، وأن تنقاد، وأن تنشق، وأن تطيع؛ لأن الله أمرها بذلك، وهنا الأرض تمد، وتبسط، وتوسع، وتلقي ما فيها وتتخلى عنهم؛ لأن الله أمرها بذلك، وحق لها أن تستجيب، وأن تسمع، وأن تنقاد، فتلقي ما في جوفها، وتستجيب لأمر ربها، فتكون الأولى متعلقة بما قبلها، وهذه متعلقة بما قبلها، وذكرنا في بعض المناسبات أمثلة لذلك أخرى مثل: فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [سورة الرحمن] كل واحدة تتعلق بما ذكر قبلها، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ [سورة المرسلات] كل واحدة تتعلق بالتي قبلها، لا يوجد تكرار محض، بعض الناس قد يصعب عليه حفظ بعض السور كسورة الكافرون، وسورة الكافرون ليس فيها تكرار، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [سورة الكافرون:1-2]، الآن لست مقيمًا على عبادتكم، ودينكم، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [سورة الكافرون:3]، لستم على ديني، ولا تعبدون إلهي الذي أعبده، فأنتم تعبدون الأصنام، ونحن نعبد الله الواحد القهار، وَلَا أَنَا في المستقبل، هو الآن ابتدأ بتقرير ما يعبد في البداية، لا أعبد الآن حاليًا ما تعبدون، ثم ذكر حالهم أيضًا فقال: وأنتم كذلك، أنتم تعبدون الأصنام، وأنا أعبد الله، ولا أنتم عابدون ما أعبد الآن، الواقع يختلف، في المستقبل بدأ بنفسه قال: وَلَا أَنَا عَابِدٌ في المستقبل لن أتحول إلى عبادة آلهتكم الباطلة، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [سورة الكافرون:4-5] لن تتحولوا إلى عبادة إلهي الذي أعبده، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [سورة الكافرون:6] فلا يوجد فيها تكرار، بعض الناس يظن هذه الأشياء مكررة، والواقع أن كل آية لها معنى آخر.
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ كما تقدم.