الإثنين 04 / محرّم / 1447 - 30 / يونيو 2025
فَأَكْثَرُوا۟ فِيهَا ٱلْفَسَادَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ۝ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ [الفجر:11-12] أي: تمردوا، وعتوا، وعاثوا في الأرض بالإفساد والأذية للناس.

فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ [الفجر:13] أي: أنزل عليهم رجزًا من السماء، وأحل بهم عقوبة لا يردها عن القوم المجرمين."

هنا قوله: الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ هذا يرجع إلى كل ما ذكر قبله من هؤلاء الأقوام، يعني: لا يرجع إلى فرعون فقط، بل ما ذكره الله - تبارك وتعالى - من عاد، وثمود، وفرعون، وقومه، فهم الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ۝ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، فهذه صفة أوجبت لهم العذاب، وهذا الذي يسمى بدلالة الإيماء، والتنبيه، يعني: لما ذكر الطغيان، وتجاوز الحد، والإكثار من الفساد كانت النتيجة: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، فدل على أن وقوع هذا العذاب هو بسبب الطغيان في الأرض، والإكثار من الفساد، يعني: هذه العقوبة بسبب هذا الذنب المشترك بين هؤلاء الأقوام - نسأل الله العافية -، فمن أكثر الفساد، وطغى في البلاد فهو مستوجب للعقوبة المستأصلة في الدنيا، لكن العقوبات المستأصلة - كما يذكر شيخ الإسلام، وغيره - لم ينزل منها بعد موسى ﷺ عقوبة مستأصلة، يعني: كالعقوبات السابقة لثمود، وعاد، وما إلى ذلك، ما نزلت، يعني: آخر من أُهلك من هؤلاء بعقوبة مستأصلة فرعون، فغرق هو وجنوده في البحر، الباقي كان لربما يصيبهم شيء من الجوع، ويصيبهم شيء من القتال مع المؤمنين فيُدالون عليهم، أو نحو ذلك، لكن كعقوبة تمحقهم، وتستأصلهم لم تنزل، آخر ما هنالك في عهد موسى ﷺ.

قوله هنا: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، الفاء هذه هي التي تدل على التعليل، وربط ما بعدها بما قبلها، الذي يعرف بدلالة الإيماء، والتنبيه، فَصَبَّ لماذا صب؟ بناء على ما سبق؛ لأنهم طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ۝ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ.

ومعنى قوله: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ يعني: أفرغ عليهم، وألقى عليهم سوط عذاب، وهو: ما عذبهم به، وهي: العقوبة التي نزلت بهم من الريح، والصيحة، والغرق، فهذه العقوبات المستأصلة التي نزلت بهؤلاء الأقوام المكذبين هي: سوط العذاب الذي عذبهم الله به، فسوط العذاب هو: نصيبهم من هذا العذاب، لكن التعبير بالسوط في قوله هنا: سَوْطَ عَذَابٍ، فيه إشارة إلى هذا العذاب الذي حصل لهم في الدنيا، فبعض العلماء يقول: هو بالنسبة لما ينتظرهم في الآخرة كالسوط، أي: الذي في الدنيا كالسوط بالنسبة للعذاب الأليم في الآخرة، وبعضهم كالفراء يقول: هذا على طريقة العرب، تسمي العذاب، والعقوبة مهما كان نوعها سوطاً، وتعبر عنها بالسوط لأي نوع من أنواع العذاب، لماذا؟ لأن السوط أشبه ما يكون برمز للعقوبة؛ ولهذا يقال: العصا، والجزرة، إذا جمع بين الترغيب والترهيب، فالعصا رمز للعقوبة، وإلا فهو لا يعني أنه يعاقب بالعصا، لكن قد يعاقب بالقتل، وقد يعاقب بالحصار، وقد يعاقب بغيره، فقال: سَوْطَ عَذَابٍ؛ لأن العرب تعبر بالسوط عن العذاب وعن العقوبة، لهذا المعنى قال ذلك، وهذا الذي قاله ابن جرير - رحمه الله -.