السبت 02 / محرّم / 1447 - 28 / يونيو 2025
وَهَدَيْنَٰهُ ٱلنَّجْدَيْنِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ الطريقين، قال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله - هو ابن مسعود - ..."

إذا أطلق عبد الله فالمراد به ابن مسعود .

"قال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله - هو ابن مسعود - وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ قال: الخير، والشر."

هذا الذي عليه عامة أهل العلم من السلف فمن بعدهم أن النجدين يعني الطريقين الخير، والشر.

"وكذا روي عن علي، وابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وأبي وائل، وأبي صالح، ومحمد بن كعب، والضحاك، وعطاء الخرساني في آخرين."

يعني ومحمد بن كعب، والضحاك، وعطاء الخرساني في آخرين.

"ونظير هذه الآية قوله تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ۝ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [سورة الإنسان:2 - 3]."

يعني إذًا وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ يعني طريقي الخير والشر، وهذه الهداية تحتمل أن يكون المراد بها هداية بمعنى الإرشاد بيّنا له طريق الخير، وطريق الشر، وضحها، وبينها بيانًا لا يلتبس، ويحتمل أن يكون ذلك بمعنى هداية التوفيق، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [سورة الشمس:8].

ولكن المعنى الأول - والله تعالى أعلم - كأنه أولى، وأقرب، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ بيّنا له طريق الخير، والشر؛ لأنه ذكرهما معًا "هديناه النجدين" فيكون ذلك بمعنى الإرشاد، والدلالة.

وقريب من هذا في الاحتمال، والمعنى ما جاء في قوله - تبارك وتعالى -: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ [سورة التغابن:2] هنا جاء بالفاء التي تدل على التعقيب المباشر، فيحتمل كما سبق: خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ يعني بين لكم طريق الخير، والشر حتى شب الإنسان، واختار بعضهم طريق الخير، واختار بعضهم طريق الشر، وهذا الذي قال به الجمهور.

وتكون الفاء هنا مع أنها للتعقيب المباشر لكن القاعدة: "أن المباشرة في كل شيء بحسبه" مثل: فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً [سورة المؤمنون:14]، مع أن بينهما مدة، أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا [سورة الرعد:17] فالأودية لا تسيل إلا بعد مدة من نزول المطر، واجتماع الماء، فالمباشرة في كل شيء بحسبه.

فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [سورة الحج: 63] إذا نزل المطر من السماء تصبح الأرض مخضرة بعد مدة، فهناك فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ لما شب الإنسان، وأدرك، وصار يميز اختار بعضهم طريق الخير، وبعضهم طريق الشر.

والمعنى الآخر: خلقكم هكذا، خلق خلقًا للجنة، وخلقًا للنار، فهذا معنى صحيح، مع ملاحظة ما يقوله الجبرية في تفسير هذه الآية، لكن أهل السنة يقولون في القدر بخلاف قولهم، فالإنسان له قدرة، ومشيئة، واختيار، ولكن ذلك لا يخرج عن قدرة الله، ومشيئته، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ [سورة الإنسان:30].

هنا وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ هذا المعنى الذي ذكره يعني الخير، والشر، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [سورة الإنسان:3] هذا أيضًا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -.