"إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا أي: أشقى القبيلة، وهو قُدَار بن سالف عاقرُ الناقة، وهو أحيمر ثمود، وهو الذي قال الله تعالى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [سورة القمر:29]، وكان هذا الرجل عزيزًا فيهم، شريفًا في قومه، نسيبًا، رئيسًا، مطاعًا، كما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن زَمْعَةَ قال: "خطب رسول الله ﷺ فذكر الناقة، وذكر الذي عقرها، فقال: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا انبعث لها رجل عارِم، عزيز، منيع في رهطه، مثل أبي زمعة"[1].
ورواه البخاري في التفسير، ومسلم في صفة النار، والترمذي، والنسائي في التفسير من سننيهما."
هنا الله لما علق الفلاح على تزكية النفوس، وتطهيرها، وأن الخيبة تكون بتدسيتها، ذكر نموذجًا، ومثالاً على من لم يوفق، ودسّى نفسه، وهم ثمود، فهؤلاء كما يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: إن جرمهم بالنسبة لغيرهم ممن ذكر الله ممن وقع لهم العذاب المستأصل مثل فرعون الذي ادعى الإلهية، والربوبية، وكذلك قوم عاد الذين قالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [سورة فصلت:15]، وكذلك قوم لوط حيث أشركوا بالله - تبارك وتعالى - وفعلوا هذه الفاحشة التي لم يسبقوا إليها، وقوم شعيب الذين أشركوا، وكانوا يطففون المكاييل، والموازين، ويقعدون للناس يقطعون الطريق، وما إلى ذلك، فثمود كان جرمهم وهو عقر الناقة أخف من جرم أولئك، فذكرهم الله مثلاً لتدسية النفوس، وغيرهم من أولئك الذين وقع بهم العذاب المستأصل من باب أولى أنهم دسوا نفوسهم.
وقوله - تبارك وتعالى -: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا هنا فسره الحافظ ابن كثير: أنهم كذبوا بسبب ما كانوا عليه من الطغيان، والبغي، وعزا ذلك إلى مجاهد، وقتادة، وغيرهما، وهذا هو المشهور من أقوال المفسرين أن ذلك بسبب طغيانهم، وتجاوزهم الحد وبغيهم، وابن جرير - رحمه الله - ذكر معنى آخر، ورجحه على هذا المعنى: أن قوله: بِطَغْوَاهَا أي: بعذابها العذاب الذي خوفهم منه نبيهم ﷺ قال: وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة الأعراف:73] فهنا كذبوا بهذا العذاب فعقروا الناقة، وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا [سورة الأعراف:77] فهم استخفوا بذلك، ولم يصدقوا به، فابن جرير يفسر قوله: بِطَغْوَاهَا يعني بعذابها الذي وعدهم به نبيهم صالح - عليه الصلاة والسلام - فكان ذلك العذاب طاغيًا عليهم كما قال الله -تبارك وتعالى -: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [سورة الحاقة:5]، فابن جرير يفسر الآية بهذا، والمشهور هو الأول، وكأنه - والله أعلم - هو الأقرب، كذبت بطغواها، فتكون الباء للسببية يعني بسبب طغيانهم، وبغيهم، يقول: فأعقبهم ذلك تكذيبًا في قلوبهم بما جاءهم به رسولهم - عليه الصلاة والسلام - من الهدى، واليقين، إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا العامل في الظرف "إذ" هو "كذبت" كذبت إذ انبعث يعني تكذيبهم مفسر بهذا إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا أو "بطغواها" كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا إِذِ انبَعَثَ ببغيهم وطغيانهم إذ انبعث، فيكون الظرف هنا متعلقًا بقوله: بِطَغْوَاهَا، إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا ما هذا الطغيان الذي حصل؟ انبعث أشقى القوم، أشقى القبيلة، وهو عاقر الناقة "قُدَار بن سالف" وهو أحيمر ثمود، رجل أحيمر يعني في صفته، في هيئته، في شكله، فيه حُمرة، فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [سورة القمر:29] يقول: وكان هذا الرجل عزيزًا، والنبي ﷺ شبهه من هذه الحيثية أنه في قومه بهذه المنزلة بأبي زمعة، وهو الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وأهل التواريخ وفي بعض كتب التفسير يذكرون تفاصيل، وأشياء مرجعها إلى الإسرائيليات كيف وقع ذلك، ومن الذي اشترك معه، وما سببه.
- رواه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ باب ومن سورة والشمس وضحاها، برقم (3343)، وأحمد في المسند، برقم (16223)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".