الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا يحتمل أن تكون "ما" هاهنا مصدرية، بمعنى: والسماء وبنائها، وهو قول قتادة، ويحتمل أن تكون بمعنى "مَن" يعني: والسماء وبانيها، وهو قول مجاهد."

الآن قال: وَالسَّمَاء أقسم بالسماء السقف، والبناء المحفوظ، وَمَا بَنَاهَا فإذا قلنا: إن "ما" بمعنى "مَن" كما ذكرت في الأمس أن "ما" تستعمل لغير موصوف بالعلم، يقولون: لغير العاقل، وأن "مَن" لمن يوصف بالعلم يعني يقولون: للعاقل، فهنا "والسماء وما بناها" على هذا المعنى أن "ما" بمعنى "مَن" فيكون القسم بالبناء والباني، المصنوع والصانع، فالسماء آية عظيمة دالة على قدرة الله حيث رفعها بلا عمد، وجعلها بناء، وسقفًا محفوظًا، محكمًا، لا يتشقق، ولا يتصدع مع مضي الدهور والأزمان الطويلة، ولا يسقط، وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا فأقسم بها، وأقسم بنفسه يعني ومَن بناها على هذا المعنى، هذا الذي قاله مجاهد، وهو الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -.

والمعنى الآخر على أن "ما" مصدرية يكون هكذا: وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا أقسم بالسماء وببنائها، وهذا الذي اختاره بعض أصحاب المعاني كالفراء، والزجاج، وابن كثير يقول: وكلاهما متلازم، كيف يكون متلازمًا؟ أقسم بالسماء قال: ومَن بناها، فإذا قلنا: ومَن بناها فإن الإقسام بالسماء هو إقسام ببنائها، فبين القولين ملازمة، والآية إذا احتملت معنيين فأكثر، وبينهما ملازمة، ولم يقم مانع يمنع من حملها على هذه المعاني فإنها تحمل عليها، فإذا أقسم الله بالسماء فإن ذلك إقسام ببنائها ومن بناها، "وما بناها" يعني ومن بناها، وإذا فسر بالبناء أن "ما" مصدرية فيكون الإقسام بالسماء، وببنائها، وهكذا.

" وكلاهما متلازم، والبناء هو الرفع، كقوله: وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [سورة الذاريات:47] أي: بقوة، وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ۝ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ [سورة الذاريات:47-48]، وهكذا قوله: وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا [سورة الشمس:6]، قال مجاهد: طحاها: دحاها."

لاحظ هنا "والأرض وما طحاها" يقال فيها كما سبق في "والسماء وما بناها"، يعني أقسم بالأرض وما طحاها، والأرض ومن طحاها، أو تكون "ما" مصدرية، قال مجاهد: طحاها دحاها تفسير الطحو بالدحو.

"وقال العوفي عن ابن عباس: وَمَا طَحَاهَا أي: خلق فيها، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: طحاها: قسمها، وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي، والثوري، وأبو صالح، وابن زيد: طحاها: بسطها.

وهذا الذي عليه عامة أهل العلم، هذا قول الجمهور، بسطها، وقد مضى في بعض المناسبات السابقة أن طحا بمعنى بسط، وابن القيم - رحمه الله - يفسر الطحو بمد الأرض، وبسطها، وتوسيعها؛ ليستقر عليها الناس، والحيوانات، ويمكن البناء عليها، والغرس والحرث، والزرع، طحاها: بسطها.

وهذا الذي اختاره ابن جرير في تفسيرها بالبسط، الطحو البسط، وإذا فُسر ذلك بالبسط فيكون بمعنى الدحو؛ لأنه سبق تفسير ذلك بالبسط، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [سورة النازعات:30] أي: بسطها وهو أحد المعاني المشهورة في تفسيره.