الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
حديث «صلاة الرجل في جماعة..» (1-2)
تاريخ النشر: ١٠ / ذو القعدة / ١٤٢٣
التحميل: 4252
مرات الإستماع: 5978

تنبيه

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد نبهت في بعض المرات على أن هذه النغمات الموسيقية إثم مضاعف، فحينما يُسمع الواحد غيره مثل هذا المنكر فإن ذلك يكون من الأذى المتعدي، والإنسان هل هو ناقصٌ أوزاراً من أجل أن يتحمل أوزار الآخرين، وإذا كان ذلك في محل شريف كالمسجد فإن ذلك أعظم، ويكون ذلك مضاهاة للكنيسة، وإذا كان ذلك في الصلاة فهو أشنع لما فيه من التشويش على المصلين، وخلاف مقصود الصلاة، والله يقول عن المشركين: وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً [الأنفال:35] يعني: تصفيقاً وتصفيراً، فقد يُشْبِههم الإنسان من هذه الحيثية، فينبغي للإنسان أن يتقي الله ولا يجعل نفسه في موطن الحرج.

صلاة الرجل في جماعة
وبعد: فهذا هو الحديث الحادي عشر من الأحاديث التي ذكرها النووي -رحمه الله- في كتاب رياض الصالحين في باب الإخلاص، وهو:
حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعاً وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا يَنهَزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة إلا رُفع له بها درجة، وحُط عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يُؤذِ فيه، ما لم يُحدث فيه[1].

صلاة الرجل في جماعة أي في المسجد، تزيد على صلاته في سوقه وبيته السوق قيل له ذلك لأنه إما أن البضائع تساق إليه، أو لأن الناس يقفون فيه على ساق، المقصود أن السوق معروف، هو محل الاتِّجار، سواء كان عقارياً أو غير ذلك فكله يقال له سوق، سواء كان سوقاً ثابتاً أو سوقاً مؤقتاً.

قوله: تزيد على صلاته في سوقه وبيته، تأملوا ظاهر هذا الحديث، يحتمل أن يكون المراد أن صلاة الجماعة في المسجد تفضل على صلاة الإنسان في السوق أو البيت ولو كان جماعة، بمعنى لو صلاها في سوقه أو في بيته فإن صلاته جماعة في المسجد أفضل بسبع وعشرين درجة، وهذا ذهب إليه طائفة من أهل العلم، ومنهم الحافظ ابن حجر -رحمه الله- قال: المقصود أن الصلاة جماعة في المسجد بهذين الشرطين أفضل من الصلاة في غيره مطلقاً، سواء كان جماعة أو بالانفراد في سوقه أو بيته بسبع وعشرين درجة، فلو صلى في دكانه جماعة، أو صلى في بيته جماعة فإن صلاة المسجد تفضل بسبع وعشرين درجة، وخالفه في هذا النووي وابن دقيق العيد، وجمع من أهل العلم، فقالوا: صلاة الجماعة في المسجد مفضلة على الصلاة في البيت أو السوق في حال الانفراد بسبع وعشرين درجة.

ولكن هؤلاء جميعاً يتفقون على معنى واحد، وهو: أن الصلاة في المسجد جماعة أعلى الرتب، ولا يعدلها شيء.

والمرتبة الثانية: أن يصلي الإنسان جماعة في بيته.

والمرتبة الثالثة: أن يصلي الإنسان منفرداً في بيته.

والمرتبة الرابعة: أن يصلي جماعة في السوق، والسبب في هذه المفاضلة هو لأن المساجد إنما أقيمت لهذا المعنى، والحديث نص صريح في هذا، وقد جاء الأمر صريحاً في الصلاة في المساجد حيث ينادى بهن[2]، ولا ينادى بها في البيوت، ولا في المدارس، ولا في المراكز، ولا في المجمعات السكنية، أو المصلى الذي يكون بين المكاتب، أو في شركة، ليس هذا من جنس المسجد، لا يصدق عليه أنه مسجد.

والصلاة في البيت منفردا أفضل من الصلاة في السوق جماعة؛ لأن الأسواق هي أبغض الأماكن إلى الله ، فقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها[3].

بل إن النبي ﷺ أوصى بعض أصحابه أن لا يكون أول داخل إلى السوق، ولا يكون آخر خارج منه؛ لأن الشيطان يركز رايته في السوق[4].

  1. أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب ما ذكر في الأسواق (2/ 746)، رقم: (2013).
  2. أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة الجماعة من سُنن الهُدى (1/ 453)، رقم (654).
  3. أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح وفضل المساجد (1/ 464)، رقم: (671).
  4. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7/ 379)، رقم: (10655).

مواد ذات صلة