الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
ترجمة صهيب الرومي رضي الله عنه
تاريخ النشر: ٠٤ / ذو القعدة / ١٤٢٥
التحميل: 3385
مرات الإستماع: 6443

ترجمة صهيب الرومي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فيقول النووي -رحمه الله: وعن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله ﷺ: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له[1]، رواه مسلم.

أبو يحيى صهيب الرومي كناه بذلك النبي ﷺ حينما قدم عليه مهاجراً، فقال له: ربح البيع أبا يحيى[2].

صهيب الرومي هو رجل من العرب، من ربيعة، وأخذته الروم وهو صبي صغير، ثم بعد ذلك بعد أن عقل وصار كبيراً انطلق منهم وفر.

وقال بعضهم: إن قبيلة كلب -وهي من القبائل العربية المتاخمة لبلاد الروم- أخذوه وهو صغير، ثم جاءوا به إلى مكة، وباعوه فيها، فاشتراه عبد الله بن جدعان، ثم بعد ذلك أعتقه، وكان بعد ذلك قد دخل في الإسلام، بعدما يقرب من ثلاثين رجلاً قد سبقوه إليه، فدخل مع عمار بن ياسر -رضي الله تعالى عنهما- في الإسلام في يوم واحد، ولزم النبي ﷺ، وهاجر إليه بعد هجرته ﷺ بمدة يسيرة، مع علي بن أبي طالب حتى إنه أدرك النبي ﷺ وهو في قباء لم يغادرها.

وأنتم تعرفون أن النبي ﷺ حينما بلغ قباء مكث فيها مدة، وبنى المسجد، ثم بعد ذلك انتقل إلى مدينته ﷺ.

ولما أراد صهيب الهجرة أراد المشركون أن يمنعوه منها، وذكروا له أنه جاءهم وهو فقير ليس عنده شيء، بل هو مسترَقّ، ثم بعد ذلك صار يصنع، ويعمل حتى صار له مال، فدلهم على ماله على أن يتركوه في سبيله، من أجل أن يهاجر إلى النبي ﷺ، فقبلوا بذلك، فجاء وليس له مال، فلما رآه النبي ﷺ وكان الله قد أوحى إلى نبيه ﷺ بذلك، فما أن رآه حتى قال له: ربح البيع أبا يحيى، وذلك أنه ابتاع ماله لله طلباً في مرضاته، ليهاجر إلى نبيه .

وكان معروفا بالصناعة، وكان يصنع السلاح، ولربما صنع لبعض كبراء المشركين، فلما أراد أن يتقاضى منه قال: ألست تزعم أن الناس يبعثون، ويجازون على أعمالهم؟، فقال: بلى، فقال: عندئذ أوفيك حقك.

وقد توفي في مدينة رسول الله ﷺ في حدود سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، وهو من الصحابة الذين لم يشتركوا في الفتنة والقتال الذي وقع بين أصحاب النبي ﷺ، حتى إن عليًّا  دعاه ليكون معه في جيشه، ومعلوم أن صاحبه عمار كان من أشد المتحمسين في القتال مع علي لأهل الشام، وكان عمار يذهب إلى البصرة، فيحرض أهلها على القتال مع عليٍّ ويستحثهم على ذلك.

فالمقصود أنه لم يشترك، فلما دعاه عليٌّ قال: "والله لو كنتَ في فك الأسد لدخلت معك، ولكن هذا أمر لا نعرفه" أو كما قال .

وفي هذا عبرة عظيمة، وهي أن الإنسان لا يدخل في شيء حتى يتبينه، ولا يدخل في أمور لا يدري ما هي.

وكما قال بعض السلف لما دعاه الخوارج إلى المشاركة معهم في القتال: إنما هي نفس واحدة، إذا ذهبت لا تعود، فلو كان لي نفسان لاشتركت معكم، ثم أنظر.

فهناك فرصة واحدة للعمل والاستعداد للدار الآخرة، فلا ينبغي للإنسان أن يقدم على شيء إلا وقد تحقق أنه حق ثابت يقربه إلى الله .

وكم من إنسان يبذل ماله ويتعب نفسه، ويعيش في قهر وذل وملاحقة، ولربما يقدم مهجته رخيصة وهو على باطل، فينبغي للإنسان أن يدرك مثل هذه المعاني، وأن تكون تضحيته وبذله وجهاده إنما هو لله وعلى الطريق والصراط المستقيم، والله تعالى أعلم.

وصهيب لم يكثر من رواية الحديث عن النبي ﷺ، روى نحواً من ثلاثين حديثاً، لم يخرج الإمام البخاري منها شيئاً، وإنما أخرج له الإمام مسلم نحو ثلاثة أحاديث.

وللحديث بقية -إن شاء الله، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير (4/ 2295)، رقم: (2999).
  2. أخرحه أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 151)، وابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 228).

مواد ذات صلة