الأحد 09 / ربيع الآخر / 1446 - 13 / أكتوبر 2024
حديث «خير الناس من طال عمره..» ، "غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر.."
تاريخ النشر: ١٤ / رمضان / ١٤٢٦
التحميل: 2253
مرات الإستماع: 15994

خير الناس من طال عمره

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فعن أبي صفوان عبد الله بن بُسر الأسلمي  قال رسول الله ﷺ: قال رسول الله  ﷺ: خير الناس من طال عمره، وحسن عمله. رواه الترمذي
ترجمة عبدالله بن بُسر

أبو صفوان عبد الله بن بُسر من صغار أصحاب النبي ﷺ وقد أسلم كما أسلم أبواه، وأخوه وأخته، ولذلك نقول -رضي الله تعالى عنهما، أي هو وأبوه، وكان قد انتقل إلى الشام، وهو آخر من مات بالشام من أصحاب النبي ﷺ، توفي نحو سنة ست وتسعين للهجرة، وبعضهم قال: إنه بلغ المائة.

والعجيب أنه يروي هذا الحديث وهو قول النبي ﷺ: خير الناس من طال عمره وحسن عمله[1] رواه الترمذي.

خير الناس من طال عمره، وحسن عمله، وذلك أن الإنسان في هذه الحياة الأنفاس والساعات والأيام والشهور والسنون كل ذلك هو فرصة له لمزيد من العمل الصالح، فإذا استغل كل نفَس في ما يقربه إلى الله ازداد رصيده.

فهي مثل التجارة، الإنسان الذي يبقى يتاجر مدة ستين سنة أو سبعين سنة ليس مثل الذي يتاجر في عشر سنوات، لو أُعطي شخصان نسيجاً مثل هذه السجادة، وتُرك أحدهم ينسج مدة طويلة، خمسين سنة، والآخر خمس سنوات، ما ظنكم بالفارق؟

فهكذا الأعمال الصالحة، الإنسان إذا كان عمره طويلاً واستغله بطاعة الله فمعنى ذلك أنه عنده صلوات كثيرة جداً، وصام رمضانات كثيرة جداً، وحج كثيراً، وتصدق كثيراً، وذكر الله كثيراً، فإذا كانت فرصة الإنسان خمس سنوات مثلاً مهما كان مشمراً في العمل والعبادة فإنه لا يوازي الآخر، وهكذا العكس: شركم من طال عمره وساء عمله، فهو يزداد من الأعمال السيئة، فكم من نظرة سيئة، وكم من كذب وغيبة وباطل وبهتان وشر، وكم من أموال محرمة أكلها، وكم من جرم قارفه.

فيكثر على ظهره من الأعمال التي عبّأها خلال عشرات السنين، فينبغي للإنسان -وهو لا يدري متى أجله- أن يجتهد، فإن كان عمره قصيراً يكون قد استثمره قدر الإمكان فيما يرضي ربه، ويزيد في عمله الصالح وحسناته، وإن كان العمر طويلاً ازداد من الطاعة والقربة والإحسان.

والحديث الآخر هو حديث أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلتَ المشركين، لئن اللهُ أشهدني قتال المشركين ليرينّ اللهُ ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين- ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أُحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صَنَع، قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه، وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23][2].

قوله: "لئن اللهُ أشهدني قتال المشركين ليرينّ اللهُ ما أصنع"، يعني: أنه هاب أن يقول غير ذلك، وخاف أن يقول كلاماً لا يستطيع الوفاء به، خشي أن يقول: لئن لقيت المشركين لأكسرن هذا السيف على هاماتهم –مثلاً- ولا يفعل، أو أن يقول: لا أنهزم، أو نحو هذا.

قال: "فلما كان يوم أحد، انكشف المسلمون" يعني: انهزموا، فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب الكعبة إني أجد ريحها من دون أحد.

قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، يعني: أن أصنع ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، ومثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، يعني: بأطراف أصابعه، فيه علامة عرفته بها، كل جسمه مشوه، دماء، وجراح.

قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه، وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23]، أي أنهم لما غابوا عن بدر قالوا كما قال أنس : لئن لقينا المشركين ليرين الله ما نصنع، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه من الجهاد والذب عن دين الله والثبات على الإسلام، كل هذه المعاني داخلة فيه، وقد ذكر السلف ذلك جميعا في تفسير الآية.

فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ [الأحزاب:23]، النحب يطلق على العهد، والموت السريع، ويطلق على الحلف، وغير ذلك من المعاني، نحو سبعة معانٍ للنحب في كلام العرب، والمقصود به هنا -والله تعالى أعلم: فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ أي: مات على الصدق والوفاء.

وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا، منهم من لا زال على قيد الحياة، ولكنه لم يبدل، ولم يغير، ولم ينكص على عقبيه.

هذا الحديث أورده في باب المجاهدة، وعلاقته بذلك واضحة، وهو أنه أقدمَ هذا الإقدام العظيم الذي عجز عنه رجل اهتز لموته عرش الرحمن، وهو سعد بن معاذ .

فالبقاء على عهد الله ، والثبات على الإيمان، والوفاء بالعقود التي تكون مع الله أمر لا يستطيعه كثير من الناس، أو لا يفعله كثير من الناس، وإنما يحتاج إلى صبر وثبات عظيم من أجل أن يبقى الإنسان على ذلك الأمر.

وهكذا كان أصحاب النبي ﷺ، فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص كان يقرأ كل ليلة إلى أن يصبح، يختم كل يوم، ويصلي طول الليل، ويصوم كل يوم، أمره النبي ﷺ أن يختم في كل أربعين، ثم نزل معه شيئاً فشيئاً لإصراره، حتى قال له: لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث، وقال له: صم يوماً وأفطر يوماً لمّا أبى أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو الإثنين والخميس، فالحاصل أنه لما تقدم به السن ضعف، وما كان يطيق هذا الصيام والقيام، فكان يقرأ ورده من القرآن في النهار، ثم يقرؤه في الصلاة في الليل، وكان يقول: وددت أني أخذت برخصة رسول الله ﷺوأن ذلك بأهلي ومالي، لأنه ضَعُف[3].

الشاهد أنه ما كان يريد أن يغير شيئاً ترك عليه رسولَ الله ﷺ مع أنه لا يجب عليه قيام الليل، وصيام يوم وإفطار يوم لاسيما مع الكهولة والضعف والعجز.

نسأل الله أن يثبتنا جميعاً بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في طول العمر للمؤمن (4/ 565)، رقم: (2329)، وأحمد (29/ 226)، رقم: (17680).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب قول الله تعالى: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا [الأحزاب:23] (4/ 19)، رقم: (2805).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب حق الجسم في الصوم (3/ 39)، رقم: (1975)، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقا أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم، وإفطار يوم (2/ 812)، رقم: (1159).
غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر

والحديث الآخر هو:

حديث أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلتَ المشركين، لئن اللهُ أشهدني قتال المشركين ليرينّ اللهُ ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين- ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أُحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صَنَع، قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه، وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23][1].

قوله: "لئن اللهُ أشهدني قتال المشركين ليرينّ اللهُ ما أصنع"، يعني: أنه هاب أن يقول غير ذلك، وخاف أن يقول كلاماً لا يستطيع الوفاء به، خشي أن يقول: لئن لقيت المشركين لأكسرن هذا السيف على هاماتهم –مثلاً- ولا يفعل، أو أن يقول: لا أنهزم، أو نحو هذا.

قال: "فلما كان يوم أحد، انكشف المسلمون" يعني: انهزموا، فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب الكعبة إني أجد ريحها من دون أحد.

قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، يعني: أن أصنع ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، ومثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، يعني: بأطراف أصابعه، فيه علامة عرفته بها، كل جسمه مشوه، دماء، وجراح.

قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه، وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23]، أي أنهم لما غابوا عن بدر قالوا كما قال أنس : لئن لقينا المشركين ليرين الله ما نصنع، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه من الجهاد والذب عن دين الله والثبات على الإسلام، كل هذه المعاني داخلة فيه، وقد ذكر السلف ذلك جميعا في تفسير الآية.

فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ [الأحزاب:23]، النحب يطلق على العهد، والموت السريع، ويطلق على الحلف، وغير ذلك من المعاني، نحو سبعة معانٍ للنحب في كلام العرب، والمقصود به هنا -والله تعالى أعلم: فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ أي: مات على الصدق والوفاء.

وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا، منهم من لا زال على قيد الحياة، ولكنه لم يبدل، ولم يغير، ولم ينكص على عقبيه.

هذا الحديث أورده في باب المجاهدة، وعلاقته بذلك واضحة، وهو أنه أقدمَ هذا الإقدام العظيم الذي عجز عنه رجل اهتز لموته عرش الرحمن، وهو سعد بن معاذ .

فالبقاء على عهد الله ، والثبات على الإيمان، والوفاء بالعقود التي تكون مع الله أمر لا يستطيعه كثير من الناس، أو لا يفعله كثير من الناس، وإنما يحتاج إلى صبر وثبات عظيم من أجل أن يبقى الإنسان على ذلك الأمر.

وهكذا كان أصحاب النبي ﷺ، فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص كان يقرأ كل ليلة إلى أن يصبح، يختم كل يوم، ويصلي طول الليل، ويصوم كل يوم، أمره النبي ﷺ أن يختم في كل أربعين، ثم نزل معه شيئاً فشيئاً لإصراره، حتى قال له: لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث، وقال له: صم يوماً وأفطر يوماً لمّا أبى أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو الإثنين والخميس، فالحاصل أنه لما تقدم به السن ضعف، وما كان يطيق هذا الصيام والقيام، فكان يقرأ ورده من القرآن في النهار، ثم يقرؤه في الصلاة في الليل، وكان يقول: وددت أني أخذت برخصة رسول الله ﷺوأن ذلك بأهلي ومالي، لأنه ضَعُف[2].

الشاهد أنه ما كان يريد أن يغير شيئاً ترك عليه رسولَ الله ﷺ مع أنه لا يجب عليه قيام الليل، وصيام يوم وإفطار يوم لاسيما مع الكهولة والضعف والعجز.

نسأل الله أن يثبتنا جميعاً بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب قول الله تعالى: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا [الأحزاب:23] (4/ 19)، رقم: (2805).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب حق الجسم في الصوم (3/ 39)، رقم: (1975)، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقا أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم، وإفطار يوم (2/ 812)، رقم: (1159).

مواد ذات صلة