الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «كل سلامى من الناس عليه صدقة..»
تاريخ النشر: ١٤ / شوّال / ١٤٢٦
التحميل: 1864
مرات الإستماع: 4525

كل سُلامَى من الناس عليه صدقة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمن الأحاديث الدالة على كثرة طرق الخير حديث أبي هريرة ، وهو بمعنى بعض الأحاديث التي سبقت كحديث أبي ذر .

عن أبي هريرة  قال رسول الله ﷺ: كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته، فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة[1].

وعرفنا أن السلامى هي المفاصل، والعظام، كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين الاثنين صدقة، يعني: هذه الروايات فيها زيادات، حديث أبي ذر ليس فيه هذا، ذَكرَ أنواعًا من الأعمال الصالحة التي يؤجر عليها الإنسان ومن ذلك هنا في هذه الرواية: "تعدل بين الاثنين"، بمعنى أنك تحكم بين اثنين، بمعنى: أنك تصلح بين اثنين بينهما خصومة ومنازعة، فتجمع بين القلوب وتفض النزاع، وتدفع أسباب الشر بين المسلمين، فإن هذا الأمر تؤجر عليه، سواء كان ذلك بين الرجل وامرأته، أو بين الرجل وجاره، أو بين الرجل ومن يعامله بمعاملة كالأجير أو الشريك، أو نحو ذلك، فإن الإنسان يؤجر على هذا، وقد رخص له الشارع بألوان من التوسع كالكذب في ذلك من أجل جمع القلوب، يقول: فلان يثني عليك، ويذكرك بالخير ويحب قربك، وما أشبه ذلك من الكلام من أجل أن ينجذب إليه قلبه.

يقول: وتعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، هذا باعتبار السابق طبعاً حينما كان الناس على الجمال، والدواب المعروفة، فلربما الرجل يحتاج إلى إعانة ليركب، ولربما يحتاج الرجل إلى إعانة ليحمل متاعه فتكون الأحمال، يكون العِدل من هاهنا، والآخر من هاهنا على جانبي البعير مثلاً أو الحمار، أو نحو ذلك، يحتاج إلى من يرفع معه هذا، وكانوا في السابق يتعبون من هذه القضايا في الأسفار وفي غيرها، فهذه الأحمال التي على الرواحل إذا نزلوا في محل اشتغلوا برفعها عنها ووضعها على الأرض، من أجل أن تستروح الدواب، ولربما ترعى، أو نحو هذا، وإذا أرادوا أن يرتحلوا حملها الرجال ووضعوها على ظهور هذه الدواب، فهذه أعمال تحتاج إلى كلف، تحتاج إلى جهود، ولربما يكون الإنسان ضعيفاً، والشباب الأقوياء ربما الواحد منهم يحمل العِدلين بنفسه، ولكن الضعيف الرجل الكبير!، فلا يبقى يكابد ذلك، فهذا يؤجر عليه الإنسان.

واليوم إذا تعطلت عليه سيارته فأعين على إصلاحها، أو نحو هذا فإن الإنسان يؤجر على ذلك جميعاً.

قال: والكلمة الطيبة صدقة، الكلمة الطيبة، الله يقول فيما أخذه على بني إسرائيل: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83]، أي: القول الطيب، والكلام الطيب، ويكون ذلك آكد إذا كان في حق الوالدين والأقربين، والله يقول: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء: 23]، فيدخل فيه الإحسان القولي، والإحسان الفعلي، وقال: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ [الإسراء:23]، لا تسئ إليهما بالقول، لا تبدِ الضجر، سواء كانوا بلغوا الكبر، أو لم يبغلوا الكبر، ولكن الكبير أحوج إلى صبر من الأب الشاب؛ لأن الأب الكبير تكثر حوائجه إذا ضعف، ولربما تكثر أسئلته عما لا يعنيه إذا كان في حال لا يتصرف فيها بشئونه، إذا بلغ الإنسان حالة من الكبر جالسًا ليس عنده عمل فإنه لربما يشتغل كثيراً بالسؤال، أين فلان؟، ومن جاء؟، ومن ذهب؟، ومن وقف؟، ومن مشى؟، ومن دخل؟، ومن خرج؟، فلربما يضجر الولد فهو مأمور بالصبر، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا، فهذا كله خلاف الإحسان القولي،وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا.

وكذلك من السائلين، كما قال الله في حق الأقارب والمحتاجين: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا [الإسراء:28]، إذا كان ما عندك شيء تصلهم وتعطيهم، قل لهم كلاماً طيباً، إذا جاءنا شيء أعطيناكم، إذا وسع الله أعطيناكم، أبشروا بالخير، كلاماً طيباً، ولذلك قال الله : قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، قول معروف، كلام طيب تصرف هذا الإنسان ومغفرة لما قد يقع منه من الإلحاح، السائل قد يلح، وقد يضايق أحياناً بطريقته في السؤال، قول معروف ومغفرة لما قد يقع منه من التعدي، خير من صدقة يتبعها أذى، تجرح فيها مشاعره، إما بالزجر، وإما بالمن، يمن على هذا الإنسان، هذا في الضعفاء، في المحتاجين، في الأقارب، في الوالدين الكلام الطيب، وكذلك الكلام الطيب مع جميع الناس، بمختلف صنوفهم، فالكلمة الطيبة صدقة، وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83]، والنبي ﷺ قال لعائشة: يا عائشة ارفقي، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه[2]، لمّا سبت البعير وضربته، وكذا لمّا كان فيه بعض النفور.

وكذلك أيضاً قال النبي ﷺ لما قالت عائشة -رضي الله عنها- لليهود الذين قالوا: السام عليكم، فقالت: وعليكم السام واللعنة، فقال: أمَا سمعتِ ما قلتُ؟، قال: "وعليكم"[3]، فرد عليهم ما قالوا.

فكل ذلك من الكلام الحسن الطيب، ولهذا قال النبي ﷺ: ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء[4].

قال: والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، طبعاً الإنسان وهو يمشي إلى الصلاة يكتب له صدقة، وقد دل حديث آخر في الرجل الذي كان بيته بعيداً عن المسجد، فقال له الصحابة لو اتخذت حماراً، فقال: والله ما أحب ذلك، وإني لأحتسب عند الله أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إلى بيتي إذا رجعت، فقال له النبي ﷺ: لك ما احتسبت[5]، فدل على أن الرجوع من المسجد يكتب أيضاً.

ويدل عليه أيضاً أن النبي ﷺ قال: قفلة كغزوة[6]، ما معنى قفلة؟ يعني: الرجوع من الغزو يكتب كما يكتب لهم في ذهابهم، كما قال الله : وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [التوبة:121]، فما يسيرون مسيراً إلا يكتب لهم، وكذلك في العودة، فمن ذهب إلى عمل صالح للحج، للعمرة، أو نحو هذا، يكتب له ذهابه ويكتب له رجوعه بدلالة هذه الأحاديث، ولهذا كانت القاعدة الفقهية أن الوسائل لها حكم المقاصد، الوسيلة إلى الحج الركوب والمشي، والوسيلة إلى المسجد أن تمشي إليه، والوسيلة إلى الصلاة، فالوسائل لها حكم المقاصد، وكذلك أيضاً الزوائد، الزوائد المقصود بها مثل هذه الآثار الناتجة يذهب للحج ويجيئه انفلونزا يُكتب، يحصل له حادث يكتب، يمرض، يكتب له ممشاه، حتى ما يدفعه للبنزين أو نحو هذا، نفقته في الطريق، كل هذا مكتوب، ما يضيع، نفقة مخلوفة.

قال: وتميط الأذى عن الطريق صدقة، وهذا سبق الكلام عليه، متفق عليه، ورواه مسلم أيضاً من رواية عائشة -رضي الله عنها، برواية أخرى تأتي -إن شاء الله تعالى- على كل حال في يوم آخر.

لكن على كل حال مثل هذه الأعمال جميعاً التي سمعتم كل ذلك في الأعمال التي يزاولها الإنسان بنفسه، يمشي كل خطوة تكتب، تصدق يكتب، يميط الأذى يكتب له، يصلح بين اثنين يكتب له، لكنْ هناك أعمال يكون الأجر جارياً مستمرًّا ما ينقطع، مثل الآن واحد بنى مثل هذا المسجد كل من صلى فيه يؤجر، يعني بناء المسجد صدقة، كل من صلى فيه يؤجر عليه، فهذا عمل، إنسان بنى مدرسة كل من درس فيها يكتب لك من الأجر كذلك، لأنك تسببت في هذا، إنسان بنى مستشفى، كل من دخل هذا المستشفى وتعالج فيه أو نحو ذلك، يكتب للإنسان فيه أجر، فهذه أعمال أجورها لا تنقطع ولذلك سميت بالصدقات الجارية، لا تتوقف، فالإنسان الذي يريد أن يتّجر مع الله قد يتّجر بهذه الطرق يميط الأذى، يمشي كل خطوة كل تسبيحة حسنة، أعماله الخاصة فقط، كل عمل بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لكن يستطيع أن يكون تاجراً في الحسنات بمعنى أنه تأتيه بالجملة، ما هو على كل عمل مفرق، لا، بالجملة، مثل ما ذكرنا يضع له عملا صدقة جارية، ويكون أجره بالجملة، كم يأتيه؟ ألف شخص؟ هؤلاء الألف كلهم يأتيه أجرهم دفعة واحدة، كلما دخل ألف وهكذا بأجور لا تنقطع ولا تنفد، وبهذا يتفاضل الناس غاية التفاضل في اليوم الآخر.

هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من أخذ بالركاب ونحوه (4/ 56)، رقم: (2989)، ومسلم، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (2/ 699)، رقم: (1009).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في الرفق (4/ 255)، رقم: (4808).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله (8/ 12)، رقم: (6024)، ومسلم، كتاب الآداب، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم (4/ 1706)، رقم: (2165).
  4. أخرجه الترمذي، أبواب البر والصلة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في اللعنة (4/ 350)، رقم: (1977).
  5. أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل كثرة الخطى إلى المساجد (1/ 461)، رقم: (663).
  6. أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في فضل القفل في سبيل الله تعالى (3/ 5)، رقم: (2487).

مواد ذات صلة