الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن الأحاديث الدالة على كثرة طرق الخير:
فينبغي للإنسان أن يجعل بينه وبين النار حاجزًا من عمل صالح، أو صدقة، أو شيء يقدمه، وقد مضى الحديث في تلك المرأة التي أعطتها عائشة -رضي الله عنها- ثلاث تمرات ومعها ابنتاها فأعطت كل واحدة تمرة فلما رفعت التمرة إلى فيها صاحت كل واحدة من هؤلاء البنات تريد أن تأخذها فشقتها شقين، وأعطت كل واحدة شقًّا، فأخبر النبي ﷺ أنها دخلت الجنة بذلك، لمّا أخبرته عائشة -رضي الله تعالى عنها.
فعن عائشة أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله ﷺ، فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار[3].
يقول: فمن لم يجد فبكلمة طيبة، من الذي لا يجد شق تمرة اليوم يتصدق به؟، فما بالك إذا كان أكثر من شق تمرة؟، أو إذا كان أعظم من كلمة طيبة يقولها الإنسان؟، والمقصود بهذا أن الإنسان لا يتوانى من عمل الخير وإن قلّ، ولا يتقالّ ذلك ولا يحقره، وإنما ينبغي أن يحرص عليه بكل وجه مستطاع.
والمقصود بالأكلة هي ما يأكله الإنسان في أول النهار أو في وسط النهار، أو في آخر النهار مما نقول له: العشاء أو الغداء أو الإفطار، فهذه يقال لها أكلة، والله يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها، مع أن هذا أمر يسير، لا يكلف الإنسان شيئاً غير أن يحمد الله على ذلك، ويلهج بالثناء عليه؛ لأنه هو الذي أنعم عليه بهذا الإفضال والإنعام والإطعام وما شابه ذلك.
هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب، (4/ 2095)، رقم: (2734).