الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث "كنت أصلي مع النبي ﷺ الصلوات.."
تاريخ النشر: ٢٦ / ذو القعدة / ١٤٢٦
التحميل: 1957
مرات الإستماع: 4178

ترجمة جابر بن سمرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما ساقه الإمام النووي -رحمه الله- في باب الاقتصاد في الطاعة حديث جابر بن سمرة وهو أبو عبد الله، ويقال: أبو خالد، ويرجع نسبه إلى هوازن من عدنان، وهو يعدّ من صغار الصحابة ، وأبوه أيضاً من أصحاب النبي ﷺ، وقد جاء عنه أنه قال: "صليت خلف النبي ﷺ أكثر من ألفي صلاة"[1]، وقد ذكرنا في بعض المناسبات في الأيام السابقة أن الإنسان يصلي من الفرائض في العام الواحد ألفًا وثمانمائة صلاة، فمعنى ذلك أنه قطعاً صلى خلف النبي ﷺ أكثر من سنة، فالحاصل أنه صحب النبي ﷺ مدة من الزمان، روى عنه نحواً من ستة وأربعين ومائة حديث، اتفق الشيخان على حديثين منها أو ثلاثة، وروى الإمام مسلم ثلاثة وعشرين حديثاً انفرد بها، أما وفاته فكانت في سنة ست وستين من الهجرة.

كنت أصلي مع النبي ﷺ
عن جابر  قال: "كنت أصلي مع النبي ﷺ الصلوات فكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً"[1].

ومعنى صلاته قصداً وخطبته قصداً أي: أنها متوسطة بين الطول والقصر لم تكن صلاته طويلة ولم تكن صلاته قصيرة ﷺ، ومعنى صلاته قصداً وخطبته قصداً أي: أنها متوسطة بين الطول والقصر لم تكن صلاته طويلة ولم تكن صلاته قصيرة ﷺ، وهذا التوسط كما ذكرنا من قبل قضية نسبية، التوسط أمر نسبي سواء كان ذلك في الأفعال أو في الآراء والمفاهيم، وما إلى ذلك، ولو أن القارئ قرأ بالناس في صلاة الفجر بسورة (ق) كاملة في ركعة لعدّوا ذلك من الإطالة، مع أن النبي ﷺ كانت صلاته قصداً -وكما في حديث جابر إلى تخفيف- ومع ذلك كان يقرأ في الفجر ما بين الستين إلى المائة، وقرأ ﷺ في المغرب بالأعراف، وكان النبي ﷺ تقام صلاة الظهر ويذهب الذاهب إلى البقيع، ويقضي حاجته ويتوضأ ويرجع والنبي ﷺ في الركعة الأولى هذه متوسطة، كانت صلاته قصداً، وقال ﷺ لمعاذ بن جبل أفتان أنت يا معاذ؟[2]، حينما كان معاذ يصلي مع النبي ﷺ ثم يذهب إلى قومه فيصلي لهم.

ومعاذ من علماء الصحابة ومن قرائهم، حتى إنه صلى بهم ذات ليلة فانفرد رجل من القوم وصلى، فتكلم في حقه معاذ وكأنه رماه بالنفاق، فغضب الرجل، وقال: ستعلم غداً من المنافق، وذهب إلى النبي ﷺ وأخبره بما جرى من معاذ فغضب النبي ﷺ غضباً شديداً، وقال لمعاذ: أفتان أنت يا معاذ؟.

ولا يصح بحال من الأحوال أن تكون بأيدي الناس عصاً يطالبون الأئمة أن يقرءوا قراءة لا توافق السنّة، يقرءون فيها آيات قليلة أو من قصار السور في مثل صلاة الفجر أو نحو هذا، أبداً، وإنما التوسط والاعتدال في عهد النبي ﷺ، ولو أن أحداً طبقه اليوم لعد الناس ذلك من غاية المشقة والإطالة ولما استطاعوا أن يتوافقوا معه بحال من الأحوال.

وعلى كل حال تراعى هذه، والإمام أحمد لما سأله بعض أصحابه حينما كان يصلي بالناس التراويح كم يقرأ؟ فقال: اقرأ بهم عشر آيات أو نحو ذلك، يعني: في الركعة الواحدة في صلاة التروايح.

فالمقصود أن الإمام أحمد قال: إن ورائك من القوم، يعني: ناسًا كسالى وضعَفَة، فتراعى حال هؤلاء الناس، لا ينفرون من الصلاة ومن المسجد.

وكانوا في زمن النبي ﷺ، وفي زمن الصحابة كم يقرأ الواحد منهم؟، قد مر في أحاديث ذكرناها في صلاة النبي ﷺ أنه قرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة واحدة، وهكذا كانت خطبته ﷺ كانت قصداً.

وقد جاء في الحديث: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنّة من فقه الرجل، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة[3]، والنبي ﷺ أوتي جوامع الكلم، لربما قام على المنبر وقرأ سورة (ق)، هذه هي الخطبة، ومن نظر في الخطب المنقولة المروية عن النبي ﷺ وجدها قصيرة، ولذلك فإن التطويل في الخطب طولاً يشق على الناس، وفيهم من قد يحتاج إلى الخروج للخلاء، أو نحو ذلك من أصحاب العلل والأمراض وكبار السن، وما إلى هذا، وهي عبادة ينبغي أن يقبل الناس عليها بشيء من إشراف النفس، ومحبة التعبد، وانشراح الصدر، لا تكون همًّا ثقيلاً يؤدي ذلك بالناس إلى النفور من خطبة الجمعة ومن حضورها أو التبكير لها، فتكون الخطبة بصورة يفهمها الناس بحد ملائم لا إطالة فيه بحيث يشق عليهم، وينظرون إلى الساعة ويتململون ويضيِّع بعض الكلام بعضاً

فتكون الخطبة بصورة يفهمها الناس بحد ملائم لا إطالة فيه بحيث يشق عليهم، وينظرون إلى الساعة ويتململون ويضيِّع بعض الكلام بعضاً، وإنما بكلام جزل مختصر يخطب الإنسان فيهم تبلغهم المعاني من غير شرح وتطويل وتُحوّل الخطبة إلى محاضرة، هذا غير صحيح، وكون الناس بحاجة إلى كثير من التفصيلات اليوم لأنهم لا يحضرون مثلاً كثيراً من مجالس الذكر ليس بمبرر؛ لأن هؤلاء إذا طالت الخطبة ناموا وانصرفوا عنها وتشاغلوا وانصرفت أذهانهم، فهم لا ينتفعون بل لربما نفروا أصلاً من حضور الخطبة.

هذا، وأسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يسلك بنا صراطه المستقيم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (2/ 591) رقم: (866).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طول، (1/ 142)، رقم: (705)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء (1/ 339)، رقم: (465).
  3. أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (2/ 594)، رقم:(869).

مواد ذات صلة