الأحد 06 / جمادى الآخرة / 1446 - 08 / ديسمبر 2024
حديث «إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون..»
تاريخ النشر: ٢٧ / صفر / ١٤٢٧
التحميل: 1999
مرات الإستماع: 10217

إنه يستعمل عليكم أمراء

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا هو الحديث الخامس من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو حديث أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية -رضي الله عنها، عن النبي ﷺ أنه قال: إنه يُسْتَعمَلُ عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة[1].

إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون أي: تعرفون بعض أفعالهم لموافقتها للعمل المشروع، وتنكرون بعضاً منها لمخالفتها، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم أي: برئ من الإثم؛ لأن ذلك يعد من الإنكار بالقلب، والنبي ﷺ يقول: من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان[2]، ولكن من رضي وتابع، أي: ولكن الإثم والتعبة تكون على من رضي بذلك وتابع عليه، قالوا: "يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟"، قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة.

وهذا يقرر ما ورد في حديث عبادة وهو قوله: "بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثَرَة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله تعالى برهان"[3]،فهنا سألوا النبي ﷺ عن هؤلاء الأمراء الذين يصدر منهم ما يُنكر من المخالفات "ألا نقاتلهم؟"، قال :لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، فهذا كله وغيره من الأدلة يقرر ما عليه أهل السنة والجماعة من تحريم القيام على الأمراء وقتالهم والخروج عليهم إذا كانوا على طريقة غير مرضية بارتكابهم للمخالفات والمعاصي وما أشبه ذلك، وإنما تكون النصيحة وتذكيرهم بالله -تبارك وتعالى- وإنكار المنكر دون أن ينزع يداً من طاعة، ودون أن يخرج عليهم.

ما أقاموا فيكم الصلاة، أي: أنهم أقاموها فيكم، بمعنى أن المساجد مشرعة والناس يرتادونها ويصلون، والصلاة قائمة والأذان يسمع ويرفع، وبذلك تكون هذه الصلاة قد أقيمت فيكم، هذا مع حديث: إلا أن تروا كفراً بواحاً، يقرر هذا الاعتقاد الذي عليه أهل السنة والجماعة، والتاريخ مليء بالعبر والشواهد التي تدل على أن مخالفة ذلك فيه من الفساد والشر العظيم وسفك الدماء، وخراب البلاد، وما إلى ذلك من الأمور التي لا تخفى، أسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع، وترك قتالهم ما صلوا، ونحو ذلك (3/ 1481)، رقم: (1854).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، (1/ 69)، رقم: (49).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام، (9/ 77)، رقم: (7199)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية (3/ 1470)، رقم: (1709).

مواد ذات صلة