الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
حديث «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف..» ، «أفضل الجهاد كلمة عدل..»
تاريخ النشر: ١٠ / ربيع الأوّل / ١٤٢٧
التحميل: 2625
مرات الإستماع: 55060

والذي نفسي بيده لتأمُرنّ بالمعروف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا هو الحديث العاشر من الأحاديث التي أوردها الإمام النووي -رحمه الله- في هذا الباب -باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو حديث حذيفة عن النبي ﷺ قال: والذي نفسي بيده لتأمُرنّ بالمعروف ولتنهوُنّ عن المنكر أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم[1].

النبي ﷺ ذكر في هذا الحديث عقوبة معجلة لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقع في الدنيا لهؤلاء التاركين، مهما كانت حالهم من الصلاح في ذواتهم واستقامتهم وعبادتهم، فالنبي ﷺ يقسم هنا، وانظروا إلى هذه المؤكدات: القسم "والذي نفسي بيده"، ولام القسم "لتأمرن"، والنون المؤكدة "لتأمرنّ"، ثم عاد أيضاً في النهي "ولتنهون"، اللام تؤكد والنون تؤكد وهي بمنزلة إعادة الجملة مرتين، إذا أردت أن تؤكد كلاماً تقول: جاء زيد جاء زيد، لتؤكده، فإذا جئت بنون التأكيد هذه فكأنك أعدت الكلام مرتين، "لتأمرنّ" "ولتنهونّ"، أي: إن لم تفعلوا فالبديل "ليوشكن الله أن يبعث عليكم"، والفعل أوشك يدل على قرب وقوع الشيء، فهو أمر ليس بمؤجل في الآخرة، وإنما يكون في الدنيا بوقت قريب لهؤلاء المعرضين التاركين لما أمرهم الله به.

أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، وهذا العقاب لم يحدد، فقد يكون في الأموال، وقد يكون بأمراض وأوبئة عامة يعجز الأطباء عن علاجها، وقد يكون بكثرة الموت، أو بتسليط عدوهم عليهم، فيجتاحهم، ويأخذ بعض ما في أيديهم، ويسومهم الخسف والذل، أو يكون بأي أمر من الأمور التي يمكن أن تقع، ونحن نشاهد أحوال الناس وما يقع لهم من ألوان المَثُلات والعقوبات التي يسوقها الله ، تارة بزلزال مدمر، وتارة بطوفان يحطم كل شيء في طريقه، ويصبح الناس خبراً بعد عين، أو يكون ذلك بنقص أموالهم وخسائرهم في تجاراتهم وأسهمهم وغير ذلك، أو يكون بغير ذلك من العلل والأدواء التي تقع لهؤلاء الناس، وليس ذلك فحسب بل إن العقوبة إذا وقعت فإن الناس يضرعون إلى الله من أجل أن يرفعها.

ثم تدعونه فلا يستجاب لكم نسأل الله العافية، فيستحكم البلاء عندئذ، فالمسألة لا تختص بهؤلاء الناس الذين يعملون المنكر، بل يجب علينا أن ننقذهم، وأن ننقذ المجتمع، وأن ننقذ أنفسنا من هذه العقوبات العامة، فالمسألة ليست كما يفهمها البعض، أو كما يريد أن يصورها آخرون من أنها حريات شخصية، وأنّ مَن أمرهم أو نهاهم فهذا متدخل في الحريات الشخصية، هؤلاء يتسببون في استجلاب نقمة الله على الجميع، لكن إن وجد من يأمر وينهى فإن الله ينجي الذين يأمرون وينهون، يخلصهم فلا يقع لهم ذلك المكروه.

أفضل الجهاد كلمة عدل
ثم ذكر الحديث الحادي عشر وهو حديث أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال: أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر،رواه أبو داود.

وأفضل الجهاد على ظاهره، أي: أفضل الجهاد على الإطلاق، أفضل من الجهاد في ساحة المعركة، ولماذا يكون أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر؟ لا شك أن هيبة السلطان وانفراد الإنسان بين يديه بالنصح والأمر والنهي مع ما قد يواجه غالباً من ردود أفعال لربما تتسبب في لحوق الضرر بهذا الإنسان الذي يأمر وينهى، والخوف قضية جبليّة عند الإنسان فإذا وجد معه انفراد فإن ذلك يكون أعظم وأوفى، بينما في أرض المعركة يذهب الإنسان ويقاتل ومعه جيش يشتركون معه في هذا القتال، فهو يقاتل بين هؤلاء ولربما يصيب ولربما يصاب فهو لا يدري، وتتحرك النفس الغضبية عند هؤلاء المقاتلين، وتجري الدماء في عروقهم في مواجهة عدوهم، ويستبسلون في مقارعة الأعداء، فهو إما أن يقتل وإما أن يُقتل، بينما إذا قال كلمة حق عند سلطان جائر فالأمر يختلف، فالدخول على السلطان بحد ذاته فيه ما فيه من دواعي الهيبة، فكيف إذا أراد أن ينكر عليه، أو أن يغير عليه منكراً من المنكرات؟!، ولهذا لا يثبت في هذا ولا يجترئ عليه إلا من له قلب ثابت ويقين راسخ وشجاعة، قد يذهب الكثير إلى ساحات المعارك ويقاتلون، لكن لو طُلب من هؤلاء أن يذهبوا إلى سلطان فيأمرونه وينهونه فإن عامة هؤلاء لا يستطيعون ذلك، بل أقل من هذا قد لا يستطيع أن يذهب إلى جاره فينكر عليه المنكر، يقول له: نحن لا نراك تصلي معنا في المسجد، أو يقول له: يا فلان أنا رأيت ابنتك متبرجة، وهذا لا يليق بكم، لا يجرؤ على جاره، ولا يملك حولاً ولا طولا، فكيف يجرؤ على سلطان وهو يشعر أنه بين يديه فقد يفتك به، وقد يعاقبه بألوان العقوبات وقد انفرد بذلك؟!، لا شك أن هذا أمر عظيم، ولهذا كان هذا أفضل الجهاد كما قال النبي ﷺ.

ترجمة طارق بن شهاب

وكذلك في حديث أبي عبد الله طارق بن شهاب البجلي الأحمسي وهو من مخضرمي الصحابة، شهد الجاهلية والإسلام وعمر طويلاً حتى مات في حدود سنة ثلاث وثمانين للهجرة.

أي الجهاد أفضل
يقول: أن رجلاً سأل النبي ﷺ وقد وضع رجله في الغَرْز -سيركب الدابة- فقال: أي الجهاد أفضل؟، قال: كلمة حق عند سلطان جائر. رواه النسائي

وهذا يؤكد الحديث السابق، والغَرْز: ركاب كَوْر الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: لا يختص بذلك، ويكون عليه شيء يجلس عليه الراكب، ويكون فيه شيء من ناحيتيه يضع الراكب فيه رجله من أجل أن يركب عليه، وهو بمنزلة السرج من الفرس، يقال له: ركاب، هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

 

مواد ذات صلة