السبت 19 / جمادى الآخرة / 1446 - 21 / ديسمبر 2024
‏(14) مسألة الذكر بالمأثور وغير المأثور
تاريخ النشر: ٢١ / ذو القعدة / ١٤٣٤
التحميل: 5755
مرات الإستماع: 4048

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعد: في هذه الليلة أيُّها الأحبّة نتحدَّث عن تنوع آخر للذكر، وذلك من جهة كون هذا الذكر مما يُؤْثَر عن النبي ﷺ أو أنَّه مما لم يكن كذلك، يعني: من غير المأثور، فالأذكار المأثورة كثيرة، وقد أُفردتْ بالتأليف في كتبٍ مُطوَّلةٍ، وفي كتبٍ مُتوسطةٍ، وفي كتبٍ مختصرةٍ.

وكما لا يخفاكم أنَّ هذه الأذكار لُخِّصَ بعضُها في مطويات صغيرة بقدر ما يحمله الإنسانُ، أو يضعه في جيبه، فصار ذلك سهلاً قريبَ المنال، وقد دخلتْ -ولله الحمد- في كل بيتٍ، وعمَّ الانتفاعُ بها، على تفاوتٍ بين هذه الكتب أو الكُتيبات من جهة تحري مُؤلفيها الصحّة أو التَّساهل في ذلك.

ومن هذه الكتب على سبيل المثال ما ألَّفه النَّووي -رحمه الله- في كتابه "الأذكار"، والشَّوكاني في "تحفة الذاكرين"، وكذلك القُرطبي في "التذكار"، وكذلك شيخ الإسلام في "الكلم الطيب"، وتلميذه ابن القيم في "الوابل الصيب"؛ حيث اختصر وهذَّب "الكلم الطيب" في الأصل، ولكنَّه زاد على ذلك وأضاف.

وكذلك أيضًا مثل: كتاب "صحيح الكلم الطيب" للشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله-، وكذلك أيضًا مثل: "الصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة"، وكتاب "أذكار طرفي النَّهار" أيضًا، وهذا الكتاب الذي سنشرع في شرحه -إن شاء الله- هو كتاب "حصن المسلم"، فهذه أمثلة، وإلا فكتب الأذكار كثيرةٌ جدًّا.

هذه الكتب قصد مُؤلِّفوها جمعَ المأثور من الأذكار، وبعض هؤلاء تحرى الصحّة؛ أن يقتصر على الصَّحيح، ومسألة الصَّحيح والضَّعيف -كما تعلمون- للاجتهاد فيها مدخلٌ؛ وذلك أنَّ العلماء يجتهدون في الحكم على الأحاديث لاعتبارات معروفة، فقد يُصحح بعضُهم هذه الرِّواية، وقد يُضَعِّفها آخرُ، ولا غرابةَ في ذلك.

على كل حالٍ، حقّ الواحد مما لا تمييزَ له بين الصَّحيح والضَّعيف، ولا بصرَ له بالطرق التي يحكم بها على الأحاديث والرِّوايات، وليس له آلةٌ تُؤهله لذلك؛ فإنَّه -كما يُقال في مسائل الفقه- يُقلِّد مَن يثق به في تحريه في علمه، ويثق بدينه؛ فيكون مُقلدًا له في التَّصحيح والتَّضعيف، وإن كان له نوعُ تمييزٍ فإنَّه ينظر في وجه تضعيف هذا الذي ضعَّف هذه الرِّواية، ومَن صحَّحها على أي شيءٍ بنى ذلك، ومن ثَمَّ فإنَّه يمكن أن يأخذ بقول ما يترجح في نظره إن كان له نوعُ تمييزٍ.

على كل حالٍ، الأذكار المأثورة كلنا يعرفها، كقوله ﷺ: لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس[1]، سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شرِّ ما صنعتُ، أبوءُ لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ فإنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت[2]، مَن قالها من النَّهار مُوقنًا بها، فمات من يومه قبل أن يُمسي؛ فهو من أهل الجنة، ومَن قالها من الليل وهو مُوقِنٌ بها، فمات قبل أن يُصبح؛ فهو من أهل الجنَّة.

وهكذا ما جاء من صيغ الصَّلاة على النبي ﷺ: قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ عبدك ورسولك، كما صليتَ على إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم[3]، إلى غير ذلك من الصيغ المعروفة، هذا كلّه من الأذكار الواردة المأثورة.

أمَّا القسم الثاني: وهي الأذكار غير المأثورة: فهذا مما يُركِّبه الإنسانُ ويُنشِئه من الذكر، فمثل هذا قد يقتبس فيه بعض الجمل من المأثور مما صحَّ، أو لم يصحّ، وقد يقتبس بعض الجمل من القرآن، ثم بعد ذلك يُركِّب ذكرًا يقوله.

فلو أنَّ أحدًا من الناس مثلاً قال: "الحمد لله الذي فطر السَّماوات والأرض، وخلق الخلقَ، وأعطاهم، وأولاهم، ورزقهم، لا أُحصي ثناءً عليه"، لو قال مثلَ هذا الكلام هل يكون فعلُه هذا سائغًا أو لا؟

نحن نقطع في هذه المسألة بأمرين:

الأمر الأول: أنَّ المحافظةَ على الأذكار المأثورة أكمل وأنفع، وأنَّ النبي ﷺ أُوتي جوامع الكلم، فهذه أبرك، وينبغي للمؤمن أن يعتني بها، وأن يحفظها، وأن يتشاغل بتردادها، هذا القدر لا إشكالَ فيه.

وعندنا أمرٌ آخر أيضًا نقطع به، ونجزم به: وهو أنَّ هذه الأذكار التي يُركِّبها الإنسانُ من عند نفسه إن اشتملت على محظورٍ من الشِّركيات: التَّوسل البدعي، وما إلى ذلك، أو من الألفاظ التي لا تليق بالله ، أو فيها ذكر بعض الأسماء غير الثابتة لله -تبارك وتعالى-، أو صفات لا تثبت لله ، أو نحو ذلك؛ فمثل هذا لا يجوز أن يتشاغل الإنسانُ به، إذا كان يحمل مخالفات شرعية في نفسه فهذا لا يجوز، ويبقى القدرُ الذي هو وسطٌ بين ذلك، يعني: هذه أشياء غير مأثورة، ولا تشتمل على أمورٍ ممنوعةٍ: لا تشتمل على ألفاظٍ محظورةٍ، لا تشتمل على كلامٍ فيما يلحق الحرج بالمكلَّف، ليس فيها تجاوزات في الألفاظ، ألفاظها صحيحة، سليمة، ولكن ذلك لم يُنقل عن النبي ﷺ، فما الحكم؟

يُقال: هذه المسألة فيها تفصيلٌ، والعلم عند الله ، الأشياء –الأذكار- التي تكون ركنًا في العبادة، أو من واجباتها لا يجوز العدولُ عنها، فنحن مثلاً في الصَّلاة عندنا أشياء مأثورة: ألفاظ الأذان مثلاً، وألفاظ الإقامة على اختلاف الصِّيغ، هنا لا يجوز للإنسان أن يأتي من عنده بصيغةٍ في الأذان غير الصيغة المشروعة.

الصلاة على النبي ﷺ بعد التَّشهد، أو التَّشهد، هل للإنسان أن يُنْشِئ من عند نفسه صيغةً يُركِّبها، ثم بعد ذلك يقولها؟

الجواب: لا، فهذه الأذكار التي تكون من قبيل الركن أو الواجب ليس له أن يعدل عنها، كذلك ما يقوله في تكبيرات الانتقال، أو تكبيرة الإحرام، لو أنَّه استبدل لفظة: "الله أكبر"، لو قال مثلاً: "الله أعلى"، "الله أعظم"، نقول: هذا لا يجوز قطعًا.

فهذا القدر أيضًا لا إشكالَ فيه، هذا لا إشكالَ فيه إن لم يكن بهذه المثابة، بمعنى: أنَّه ليس من قبيل الواجب، ولا من قبيل الركن، فهذا على حالين: إمَّا أن يكون لم يرد في هذه المناسبة شيءٌ أصلاً، ما ورد فيها شيءٌ، مثلاً: التَّهنئة بالعيد لم يُنقل عن النبي ﷺ شيءٌ ثابتٌ صحيحٌ بهذه المناسبة، فلو أنَّه قال له كلامًا كما قال الإمامُ أحمد -رحمه الله-: لا بأس أن يقول الرجلُ للرجل يوم العيد: "تقبَّل اللهُ منا ومنكم"، ونحو ذلك[4]، هذا لا إشكالَ فيه، لكن هذه الأشياء التي يقولها ولم يرد شيءٌ في هذه المناسبة ينبغي أن يُلاحظ فيه ألا يعتقد التَّعبد به، وأيضًا أن يُنَوِّع، يعني: لا يلتزم لفظًا مُعينًا لا يحيد عنه.

إذا كانت هذه المناسبة وردت فيها أشياء عن النبي ﷺ، أو في هذا العمل، أو في هذه العبادة في غير الواجب، فهل يكون إنشاء ذكرٍ من عند نفسه: أن يُركِّبه، أن يُؤلِّفه، هل ذلك يجوز؟ هل يكون ذلك سائغًا أو لا؟

هذه المسألة تحتمل، وأكثر أهل العلم يقولون: لا بأس بذلك. هذا قول الجمهور، يقولون: لا حرجَ بالضَّوابط السَّابقة: لا يشتمل على محظورٍ، وألا يكون مما ورد في عبادةٍ يكون فيها من قبيل الركن أو الواجب، فإذا جاء بالمأثور وزاد عليه أذكارًا أخرى، هذه غير مسألة زيادة بعض الألفاظ، أو تبديل بعض الألفاظ في المأثور، هذه ستأتي، لكنَّه زاد أذكارًا أخرى من عند نفسه ليس فيها محظورٌ، وليس فيها نقصٌ، ليس فيها من الكلام ما لا يليق بالله ، فما الحكم؟

الجمهور يقولون: لا بأسَ بذلك. مع أنهم يقولون: المأثور أفضل[5]. وهذا الذي ذهب إليه الأحنافُ[6]، والمالكية[7]، والشَّافعي في القول الجديد[8]، وهو قول الحنابلة[9]، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنَّه يجوز أن يقول ذكرًا لم يُؤْثَر[10]، لكن بالضَّوابط السَّابقة.

وإذا أردتم أن نُقرب هذا بصورةٍ أوضح مع ما يستدلون به مثلاً: التَّلبية، المنقول عن النبي ﷺ: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك[11]، هذا المأثور، كان عبدُالله بن عمر يزيد فيها: "لبيك، وسعديك، والخير بين يديك، لبيك، والرَّغباء إليك والعمل"[12]، هذا لم يُنقل عن النبي ﷺ.

فمثل هذا الصَّحابةُ نُقِلَتْ عنهم صيغٌ في التلبية غير ما أُثِرَ عن النبي ﷺ، فهل يُقال: إنَّ ذلك لا يجوز، وهو من قبيل البدعة؟ النبي ﷺ لم يُنكر عليهم، والصَّحابة ما أنكر بعضُهم على بعضٍ، فرأوا أنَّ ذلك مما فيه سعة، والتَّلبية ليست بواجبةٍ.

الله -تبارك وتعالى- أمرنا أن نستعيذ عند القراءة: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، الاستعاذة الواردة عن النبي ﷺ بالصيغ المعروفة، نقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله السَّميع العليم من الشيطان الرجيم: أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الرجيم: من همزه، ونفخه، ونفثه[13].

لكن لو نظرتم إلى كلام أهل العلم المنقول عن السَّلف في صيغ الاستعاذة: كثيرون فهموا أنَّ أمر الاستعاذة يتحقق بأي صيغةٍ كانت، فتجد عبارات لهم غير هذه العبارات المأثورة، عبارات متنوعة، كأنَّهم رأوا أنَّ الأمرَ فيه سعة، مع الاتِّفاق على أنَّ المأثورَ أولى وأكمل.

وقل مثل ذلك في أشياء مما قد يقوله الإنسانُ، يعني: الله يقول: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، أمرنا بالصَّلاة عليه ﷺ، إذا قال أحدٌ: اللهم صلِّ وسلِّم وأنعم وبارك على سيدنا ونبينا وقائدنا وقدوتنا محمدٍ ﷺ. هذه الصيغة غير مأثورةٍ، هل هذا حرامٌ؟

إذا جاء بها في الصَّلاة بعد التَّشهد نقول: لا يجوز، هذه بدعة، وإنما يلتزم بما ورد، إذا قال: "اللهم صلِّ على محمدٍ" حقق الأمرَ في الصلاة على النبي ﷺ المطلقة، أكمل الصيغ في الصلاة على النبي ﷺ كما علمنا: اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على إبراهيم[14]، إلى آخره، هذه أكمل.

الله أمر بالاستغفار، فإذا قال العبدُ: أستغفر الله، فقد حقق الاستغفارَ، لكن لو أنَّه جاء بصيغة سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي وأنا عبدك[15]، وجاء بأكمل الصيغ، فهذا أكمل، لكن الكلام فيما لو جاء به بغير ما يجب، هل يكون ذلك سائغًا أو لا؟

الجمهور يقولون: لا إشكالَ في هذا[16]. كما ذكرتُ لكم في المثال: إنسانٌ جالسٌ الآن قال: اللهم صلِّ وأنعم وبارك وسلِّم على قدوتنا وسيدنا ومقدمنا ﷺ. هل يكون قد فعل شيئًا محظورًا؟

عامَّة أهل العلم يقولون: لا؛ لأنَّ هذا الكلامَ لا إشكالَ فيه، هو صلَّى على النبي ﷺ.

مما يحتجُّون به يقولون: حديث رفاعة : كنا نُصلي وراء النبي ﷺ، فلما رفع رأسَه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده، فقال رجلٌ وراءه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه. فلما انصرف قال النبيُّ ﷺ: مَن المتكلم؟ قال: أنا. قال: رأيتُ بضعةً وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيُّهم يكتبها أول[17].

قالوا: النبي ﷺ أقرَّه، وهذا الذكر لم يرد.

لكن يمكن أن يُقال عن هذا بأنَّه كان في وقت التَّشريع، وأنَّ النبي ﷺ أقرَّ ذلك، وليس لأحدٍ بعد هذا أن يُنشئ في العبادة ألفاظًا من عند نفسه، وما يُدريه أنَّ الشارعَ يقرّه على ذلك؟ وما يُدريه؟ فيلتزم بالعبادة بما ورد.

الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يقول بأنَّه استُدِلَّ بهذا الحديث، استُدِلَّ به على جواز إحداث ذكرٍ في الصلاة غير مأثورٍ؛ إذا كان غير مخالفٍ للمأثور[18].

وبعض أهل العلم كره ذلك، وقد نُقِلَ عن الإمام مالك -رحمه الله-، وهو القول القديم للشَّافعي، قالوا: هذه مثل العبادات العملية، ليس له أن يُغير في هيآتها، وصفاتها، وأعدادها، وما إلى ذلك، فهكذا هذه الأذكار. قالوا: هذا كالقولية التي ليس له أن يُغيرها كالأذان، فلا يتعدّى ما ورد[19]. ويحتجُّون بالحديث: "كان رسولُ الله ﷺ يُعلِّمنا التَّشهد كما يُعلمنا السورةَ من القرآن"[20].

والآخرون أيضًا يحتجُّون بنفس الحديث، يقولون: هذا أكَّده النبيُّ ﷺ عليهم، بمعنى: أنهم لا يُغيرون ولا يُبدِّلون فيه، بخلاف ما وسع الأمرُ فيه، فهنا لا يزيد، لكن في غيره قد يكون الأمرُ أوسع في غير ما وجب.

على كل حالٍ، نبقى مع هذا الأصل: أنَّ الأذكارَ إذا كانت من قبيل الواجب في العبادة فينبغي أن تُلتزم، أو الركن، وأنَّ الأذكارَ إذا كانت تشتمل على مخالفاتٍ فيجب أن تُجتنب، ويبقى ما كان بين ذلك فهو محل احتمالٍ، والأكثر من أهل العلم على أنَّ هذا يسوغ، والأفضل الالتزام بما ورد.

وعلى كل حالٍ، لا شكَّ أنَّ المأثور أكمل، وأبرك، وأنفع، وأجمع.

وبهذه المناسبة أختم الحديثَ بأنَّه وُجدتْ أورادٌ كان أصحابُ الطرق الصوفية منذ قرونٍ طويلةٍ يجمعونها، ويكتبونها، وكل طريقةٍ لها أوراد يُرددها أصحابُها، ويلتزمونها، فمثل هذه الأوراد فيها من المخالفات، وتشتمل على أمورٍ من البدع، بل والشِّرك أحيانًا، فهذه لا يجوز التَّشاغل بها.

رأيتُ قبل سنوات قليلة كتيبًا وُضع على نفس طريقة أوراد الصوفية، لكن جاء فيه بأذكار مأثورة، وأشياء غير مأثورة، لكنَّها ليس فيها مخالفات، وجعل ذلك من الورد اليومي الذي يُلتزم، وركَّبه بنفس الطريقة التي يُركِّب بها أصحابُ الطرق الصوفية أورادَهم، جعل كتيبًا للورد اليومي.

فهذا يُضاهي طريقة أهل البدع هؤلاء، وإن قدَّم لهذا الكُتيب فُضلاء وعلماء، لا يُشَكّ في اتِّباعهم للسنة، وحرصهم عليها ظاهرًا وباطنًا، لكن هذه الطريقة التي ما أنزل اللهُ بها من سلطانٍ: أن يلتزم وردًا مُعينًا، بطريقةٍ تُضاهي الطريقة التي وضعها هؤلاء المبتدعة، يلتزمه المكلَّف، وبعض هذه الأذكار واردة، وبعض هذه الأذكار غير واردة؛ فهذا غير مشروعٍ، ولا ينبغي الاحتفال بمثل هذا الكتاب.

أرجو أن يكون هذا القدرُ واضحًا فيما يتعلَّق بنوعي الأذكار: المأثور، وغير المأثور.

وأسأل الله لي ولكم علمًا نافعًا، والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ.

  1. أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التَّهليل والتَّسبيح والدُّعاء، برقم (2695).
  2. أخرجه البخاري: كتاب الدعوات، باب أفضل الاستغفار، برقم (6306).
  3. أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله: إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ۝ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [الأحزاب:54-55]، برقم (4798).
  4. انظر: "المغني" لابن قُدامة (2/ 295).
  5. انظر: الموسوعة الكويتية (20/ 265).
  6. انظر: "حاشية ردّ المحتار على الدرّ المختار شرح تنوير الأبصار" فقه أبي حنيفة، لابن عابدين (1/521).
  7. انظر: "بلغة السالك لأقرب المسالك"، المعروف "بحاشية الصاوي على الشرح الصغير" للصاوي (2/ 56).
  8. انظر: "المجموع" للنووي (3/ 471).
  9. انظر: "المغني" لابن قُدامة (1/ 393).
  10. انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (22/ 525).
  11. أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب التلبية، برقم (1549)، ومسلم: كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم (1184).
  12. انظر: "صحيح مسلم" (2/ 842).
  13. أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الصلاة، باب مَن رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك، برقم (775)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح"، برقم (1217).
  14. أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، برقم (3370).
  15. أخرجه البخاري: كتاب الدَّعوات، باب أفضل الاستغفار، برقم (6306).
  16. انظر: الموسوعة الكويتية (20/ 265).
  17. أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب فضل: اللهم ربنا لك الحمد، برقم (799).
  18. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 287).
  19. انظر: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد الحفيد (1/ 139).
  20. أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (403).

مواد ذات صلة