الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «أفضل دينار ينفقه الرجل..» ، «لك أجر ما أنفقت عليهم»
تاريخ النشر: ١٥ / محرّم / ١٤٢٨
التحميل: 1925
مرات الإستماع: 20906

أفضل دينار ينفقه الرجل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب النفقة على العيال ذكرنا بالأمس حديث أبي هريرة : أن النبي ﷺ قال: دينارٌ أنفقتَه في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك، رواه مسلم، واليوم نذكر حديث:

ثوبان مولى رسول الله ﷺ، وهو ثوبان بن بُجْدد، يكنى بأبي عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، قال: قال رسول الله ﷺ: أفضل دينار ينفقه الرجل: دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله.رواه مسلم

وعرفنا أن المراد بالعيال من يعولهم الإنسان، فيدخل في ذلك الزوجة والأولاد الذكور والإناث، ويدخل فيه الخادم، كل هؤلاء عيال الإنسان.

يقول: أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله يعني: الجهاد، ومن أهل العلم من قال: دينار ينفقه على دابته في سبيل الله يدخل فيه الجهاد وغيره مما يكون طاعة كالسفر للحج والعمرة وسائر الطاعات، ولا شك أن الإنسان يؤجر على هذا، يعني: حينما يذهب الإنسان للحج مثلاً، هذا المال الذي يدفعه لإصلاح السيارة يؤجر عليه، البنزين، المال الذي يدفعه يؤجر عليه، وهكذا، فلا يتخذ الإنسان هذه مغرماً ويعدّ ذلك من الخسارة والغبن، وإنما ذلك يخلفه الله عليه.

يقول: ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله، رواه مسلم، يعني الجهاد، وحمله بعض أهل العلم -أيضاً- على ما هو أوسع من ذلك، في سبيل الله، بعضهم قال: في كل سفر طاعة، وبعضهم قال: في سبيل الله أي: أنه يبتغي بذلك وجه الله ، يعني: له صحبة رافقهم في سفر أو نحو ذلك، فهو ينفق عليهم في سبيل الله، أي: لا يريد منهم جزاءً ولا شكوراً، وإنما كما قال الله : إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا [الإنسان:9]، فهو يحتسب هذه النفقة، فهذا احتمال، وعلى كل حال الإنسان يؤجر على ما أنفقه على إخوانه وأصحابه ورفقته في السفر، وفي غير السفر.

والله حينما أوصى بالإحسان ذكر الوالدين، ذكر ذا الرحم، وذكر أيضاً الصاحب، وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ [النساء:36]، الجار القريب، بينك وبينه قرابة، وَالْجَارِ الْجُنُبِ هو: الجار الذي ليس بينك وبينه قرابة لكنه جار لك في المسكن، وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ هو الزميل في العمل، الزميل في الدراسة، الزميل الرفيق في السفر، وما أشبه ذلك، فهذا له حق، ونوع من الاختصاص أكثر من غيره من عامة الناس، مما لا يربطه بهم إلا الأخوة العامة بين المسلمين، فالشارع يراعي مثل هذا.

والنبي ﷺ يقول: حسن العهد من الإيمان، فهذا ليس بدين جحود، وإنما هو دين وفاء وإحسان وبذل ومعروف.

الحاصل أن الشارع ذكر أن أفضل دينار ينفقه الإنسان، لاحظوا ذكر العيال، الدابة في سبيل الله، وعلى أصحابه في سبيل الله، ثلاثة أشياء، هذه أفضل ما ينفقه الإنسان، والإنسان في كثير يستخسر هذا.

وكثير منا لا يحتسب حينما يأتِ بشيء لبيته لأولاده من طعام وثياب، وما يحتاجون إليه في دراستهم أو غير ذلك، قد لا يحتسبه، ولربما يرى ذلك من الخسارة، فهذا غير صحيح، الإسراف مرفوض، ولكن ما ينفقه الإنسان من هذا في حاجته وفي محله يؤجر عليه، وهو من أفضل النفقة التي ينفقها الإنسان، لو أن الناس يعتبرون مثل هذه المعاني لما حصل تقتير، ولما حصل تضييق، ولما حصلت مشاحّة بين الرجل وبين امرأته من الذي ينفق.

هل لي أجر في بني أبي سلمة

وذكر بعده:

حديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، هل لي أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم؟ ولست بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بني؟ فقال: نعم، لك أجر ما أنفقت عليهم[1].

أم سلمة -رضي الله عنها- تزوجها النبي ﷺ وقد تزوجت قبله أبا سلمة، وكان لها منه عيال، فلما تزوجت النبي ﷺ تسأل تقول: أنا أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، يعني: يذهبون هنا وهناك يبحثون عن شيء يقتاتون به، تقول: هؤلاء، كما قالت: إنما هم بنيّ، تقول: هل لي أجر في هذه النفقة على أولادي من أبي سلمة ؟ فقال: نعم، لك أجر ما أنفقت عليهم، وهم أولادها، وهذا لا شك أنه من أعظم إفضال الله علينا، الإنسان مجبول على رحمة الأولاد، وعلى محبتهم والحنو عليهم، ويجمع من أجلهم، ثم بعد ذلك يؤجر على هذا.

الرجل الذي لما جاء يتصبب عرقاً فرآه الصحابة، قالوا: لو كان ذلك في سبيل الله، فبيّن لهم النبي ﷺ: إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله[2].

فهذا كله مما يؤجر عليه الإنسان، ولعل هذا يكفي، ونسأل الله أن يعيننا وإياكم على طاعته، ويتقبل منا ومنكم، ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيراً من دنيانا، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب وعلى الوارث مثل ذلك البقرة: 233 وهل على المرأة منه شيء (7/ 66)، رقم: (5369)، ومسلم، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد، والوالدين ولو كانوا مشركين (2/ 695)، رقم: (1001).
  2. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (19/ 129)، رقم: (282)، والأوسط (7/ 56)، رقم: (6835).

مواد ذات صلة