الأحد 20 / جمادى الآخرة / 1446 - 22 / ديسمبر 2024
حديث «إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي..»
تاريخ النشر: ٢٧ / ربيع الأوّل / ١٤٢٨
التحميل: 1654
مرات الإستماع: 6732

إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب بر الوالدين وصلة الأرحام أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث أبي عبد الله عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله ﷺ جهاراً غير سر يقول: إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي، إنما وليِّيَ الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبُلُّها بِبِلالها[1]. متفق عليه، واللفظ للبخاري.

قول: سمعته ﷺ يقول جهاراً غير سر، يعني: أنه لا يقول ذلك في مجالسه الخاصة ﷺ، دون أن يعلنه كراهية أن يبلغهم مثلاً، لا، وإنما كان يعلن ذلك، إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي، كما قال إبراهيم ومن معه لقومهم -حيث جعل الله لنا بهم أسوة: إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4]، فهذا هو الواجب على المؤمن، أن يتبرأ من أعداء الله ، ولا يجوز له بحال من الأحوال أن يواليهم سواء كان هؤلاء من المحاربين أو كانوا من غير المحاربين، فإن البراءة من المشركين واجبة من جميعهم على اختلاف طوائفهم، ولا يجوز موالاتهم بحال من الأحوال، وهذا الحديث والآية التي ذكرتها يدلان على ذلك، فإن هؤلاء المشار إليهم -وهم من قرابات النبي ﷺ ممن لم يؤمنوا- لم يكونوا محاربين للنبي ﷺ حينما كان بمكة مثلاً، كانوا يضيقون عليه ويؤذونه، وإن قلت: إنهم صاروا من المحاربين بعد هذا فإن الآية التي ذكرتُها آنفاً ذكرتْ فعل إبراهيم  مع أنه لم يكن هناك حرب، إبراهيم هاجر، وقال هذا الكلام لأبيه، وقاله لقومه، وفي هذا رد على أولائك الذين لا زالوا يلبسون على الناس ويقولون: إنما يجب البراءة من الكفار المحاربين، وأما غير المحاربين من الكفار فإنه لا بأس بموالاتهم، ولا يتبرأ منهم، وهذا عين الباطل، والأدلة التي تدل على رد هذا كثيرة جدًّا، فالله في الآيات: الْكَافِرِينَ، فيشمل ذلك كل كافر، ويقول: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]، فهذا في البر والإقساط، فالبر هو الإحسان، وهذا لا مانع منه، ذكرنا حديث أسماء لما جاءتها أمها، وهي راغبة في الصلة، فسألت النبي ﷺ: هل تصل أمها أو لا، مع أن هذه الآية التي في سورة الممتحنة: أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، من أهل العلم من السلف من قال: هي في الولدان والنساء والضعفاء الذين كانوا بمكة أسلموا ولم يستطيعوا الهجرة، ومن أهل العلم من قال: هي في عموم من لا يحارب من النساء والضعفة من المشركين، ومنهم من قال: هذه فيمن لم يحارب المسلمين، كان بينه وبين المسلمين عهد كخزاعة ووفى بعهده، والأقرب كما قال كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله- أنها عامة -آية الممتحنة- في كل من لم يحارب المسلمين، أَن تَبَرُّوهُمْ ما قال: أن توالوهم، لا يجوز موالاتهم، أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، والإقساط هو العدل، وعُدي بإلى هنا لأنه قد ضمن معنى الإفضاء، تفضوا إليهم، يكون بينكم وبينهم مصالح متبادلة، وما أشبهه، هؤلاء الذين لم يحاربوا المسلمين، فهذا الحديث يدل على هذا، إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي إنما وليِّيَ الله وصالح المؤمنين، ما قال: والكافرين الذين ما حاربونا، لهم رحمهذا الشاهد من الحديث في هذا الباب، لهم رحم يصلها ولو كانوا كفاراً كما في حديث أسماء، وكما في قوله -تبارك وتعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ [لقمان:15] في الوالدين يعني: على الشرك، فنهى عن طاعتهما قال: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا.  

وفي الاتباع قال: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ، فالمصاحبة بالمعروف للوالدين والإحسان إليهم ولو كانوا من الكفار هذا أمر مطلوب شرعاً، أبُلُّها بِبِلالها، وتكلمنا عن هذا قلنا: العرب تسمي الصلة بلًّا، وتسمي القطيعة جفاء وصلفًا وجفافًا، فكأن القطيعة نار محرقة فتُبل بالماء بهذه الصلة، فيذهب ذلك، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.  

  1. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب تبل الرحم ببلالها، (8/ 6)، برقم: (5990)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم، (1/ 197)، برقم: (215).

مواد ذات صلة