الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
حديث «كبر كبر» ، «أيهما أكثر أخذا للقرآن؟»
تاريخ النشر: ١٧ / جمادى الأولى / ١٤٢٨
التحميل: 1843
مرات الإستماع: 10756

كبر كبر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث أبي يحيى وقيل: أبي محمد سهل بن أبي حَثمة الأنصاري قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله ابن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا، فدفنه، ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمان ابن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي ﷺ فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال: كبر كبر وهو أحدث القوم، فسكت، فتكلما، فقال: أتحلفون وتستحقون قاتلكم؟ ... وذكر تمام الحديث. متفق عليه.

يعني: أن المسلمين قد فتحوها، وفُتحت خيبر صلحاً وكان النبي ﷺ -كما هو معروف- قد أقر أهلها عليها بشطر ما يخرج من أرضها.

قال: فتفرقا، يعني: أنهما ذهبا من أجل أن يمتارا، يعني: من أجل شراء الطعام، فتفرقا، يعني: ذهب كل واحد في ناحية ليشتري، فأتى محيّصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه، يعني: يتخبط ويضطرب، يعني: أنه قُتل لكن لم تخرج روحه بعد، يتشحط في دمه قتيلاً، فدفنه ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيّصة وحويّصة ابنا مسعود إلى النبي ﷺ، فذهب عبد الرحمن يتكلم، وكان هو الأصغر، فقال النبي ﷺ: كبّر كبّر[1].

وهذا هو الشاهد في هذا الحديث، كبّر كبّر، يعني: ابدأ بالأكبر، يعني: ينبغي أن يتقدم الأكبر سنًّا فيتكلم، لا يتقدم الصغير على الكبير فيتحدث بين يديه، فهذا تعليم للأدب بين يدي من هم أكبر منا سنًّا، أن لا يجلس الفتى في المجلس أو في صدر المجلس يتحدث ويملأ المجلس حديثاً، ويوجد من كبار السن في هذا المجلس، أو من هم أكبر منه، أو أولى بالحديث منه وهم صامتون، فإن هذا لا يليق، قال: كبّر كبّر، وهو أحدث القوم، فسكت، فتكلما، فقال: أتحلفون وتستحقون قاتلكم؟.. وذكر تمام الحديث.

تحلفون يعني: هذه مسألة القسامة، وهي إذا وُجد قتيل في محلة قوم لا يعرف من هو قاتله، واتهمهم أولياء المقتول، قالوا: دمه عند هؤلاء، فعندئذ يحلف أولياء المقتول خمسين يميناً -كما هو معلوم في مسألة القسامة- أن هؤلاء هم الذين قتلوه.

أيهما أكثر أخذاً للقرآن

وذكر حديثاً آخر بعده وهو:

حديث جابر أن النبي ﷺ كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، يعني: في القبر، ثم يقول: أيهما أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد[1].

يعني: القبر الواحد، وذلك أنه لما كانت وقعة أحد قُتل سبعون من أصحاب النبي ﷺ، واشتكت الأنصار لما أصابهم من الجهد والقرح والجراح، يعني: هم الآن انتهوا من معركة وفيهم من الجراح ما الله به عليم، ويحتاجون إلى حفر في أرض صخرية، يحفرون سبعين قبراً، فاشتكوا إلى النبي ﷺ، فأمرهم أن يوسعوا القبور، فكان النبي ﷺ يجعل في القبر الواحد الرجلين والثلاثة وأكثر من ذلك، كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، يعني في القبر، ثم يقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟.

وهذا هو الشاهد، من هو أكثر حفظاً، ولو كان الأصغر سناً؟، يعني: لو أن أحدًا عمره خمس عشرة سنة وآخر عمره ثمانون فإن الذي يقدم إلى جهة القبلة في القبر هو الأحفظ  للقرآن، فهذا هو الشاهد، هنا تقديم أهل الفضل، أهل العلم، أهل القرآن على غيرهم، فكان يقدمهم، حتى في هذه الأمور اليسيرة يقدم هؤلاء، بمعنى أنهم يقدمون في الحياة وبعد الممات، يقول: فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد. رواه البخاري.

وتعرفون ما ورد في هذا من حديث جابر لما دفن النبي ﷺ أباه عبد الله بن حرام، فما طابت نفس جابر ، فبعد مدة، بعد نحو ستة أشهر حفر القبر، نبشه، واستخرج أباه من القبر طريًّا كأنه قتل الآن، لم يتغير فيه شيء، ووضعه في قبر منفرداً، ثم بعد نحو أربعين سنة جرت عين في عهد معاوية على بعض هذه القبور، فاحتاجوا إلى نقلها، فحفروها فوجدوها لم تتغير، حتى إن المعول ضرب قدم أحد هؤلاء فخرج الدم طريًّا، بعد أربعين سنة، وهذه كرامة من الله لهؤلاء الشهداء ، وإن لم يكن هذا لجميع الشهداء، يعني: نحن ليس عندنا دليل على أن الشهداء لا تأكلهم الأرض، وإنما عندنا فقط أن هذا للأنبياء -عليهم الصلاة والسلام: حرّم الله على الأرض أجساد الأنبياء[2]، لكن قد يكرم الله بعض أوليائه سواء كانوا من الشهداء أو من غيرهم فلا تأكلهم الأرض، وهذا شيء يوجد ويتكرر على مدى الأزمان.

فنسأل الله أن يلحقنا بركابهم، وأن يحشرنا تحت لواء محمد ﷺ، وأن يهدي قلوبنا وأعمالنا، ويغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين، اللهم ارحم موتانا واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيراً من دنيانا، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد، (2/ 91)، برقم: (1343) عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- بلفظ: أيهم أكثر أخذا للقرآن؟.
  2. أخرجه أبو داود (2/ 279)، برقم: (1047)، وابن ماجه (1/ 345)، برقم: (1085)، وصححه الألباني في السلسلة  الصحيحة (4/ 32)، برقم: (1527).

مواد ذات صلة