الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب "زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم، وزيارة المواضع الفاضلة" أورد المصنف -رحمه الله-:
حديث عمر بن الخطاب قال: استأذنت النبي ﷺ في العمرة فأذن لي، وقال: لا تنسنا يا أُخيَّ من دعائك[1]، فقال كلمةً ما يسرني أن لي بها الدنيا.
وفي رواية، وقال: أشركنا يا أُخيَّ في دعائك[2].
هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي، والحديث لا يخلو من ضعف، لا يصح عن النبي ﷺ، ومن ثَمّ فإنه لا يستدل به على مشروعية طلب الدعاء من الغير، وهو ليس بحرام، ولكن الأكمل أن يدعو الإنسان لنفسه، ولا يفتقر إلى الآخرين في شيء من شئونه، ولاسيما أن ذلك لا يخلو من نوع تزكية ممن طُلب منه الدعاء.
يعني: يزور المسجد، مسجد قباء، راكباً وماشياً، يعني تارة يأتيه وهو راكب، وتارة يذهب إليه وهو يمشي على قدميه ﷺ، والمسافة التي بين مسجد قباء ومسجد النبي ﷺ هي مسافة فرسخ، فيصلي فيه ركعتين، متفق عليه.
وفي رواية: "كان النبي ﷺ يأتي مسجد قباء كل سبت راكباً وماشياً، وكان ابن عمر يفعله[3].
يعني: اقتداءً بالنبي ﷺ، يعني: يأتي إلى قباء في كل سبت راكباً وماشياً، وهذا الشاهد فيه في هذا الباب: هو زيارة الأماكن الفاضلة، والمقصود بالأماكن الفاضلة الأماكن التي دل الشرع على مشروعية زيارتها، وليس كل مكان يعتقد أنه فاضل يشرع أن يزار، أما شد الرحل -يعني: السفر من أجل الزيارة- فإن ذلك لا يشرع إلا للمساجد الثلاثة، كما قال النبي ﷺ: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد..[4]المسجد الحرام، ومسجد النبي ﷺ، ومسجد بيت المقدس -المسجد الأقصى، هذا بالنسبة للسفر، وأما إذا كان الإنسان في البلد، يعني كان في المدينة مثلاً أو زار المدينة، أو زار المسجد النبوي فيشرع له أن يزور مسجد قباء، هذا من المواضع والمساجد، مسجد قباء فقط، دون ما سواه، بالإضافة إلى المسجد النبوي، والأماكن التي يشرع له زيارتها: يشرع له زيارة القبور من غير شد رحل، فيذهب إلى البقيع ويسلم على من هناك، وكذلك يمكن أن يذهب إلى شهداء أحد ويسلم عليهم، وما شابه ذلك، أما تتبع آثار النبي ﷺ مما يُزعَم مثلاً أن هذا المكان بركت فيه ناقته، أو من هذا البئر شرب، أو نحو ذلك فكل هذا لا يُشرع، وهو طريق إلى الغلو والمبالغة في تتبع آثار الأنبياء، وتعرفون ما ورد عن عمر لما كان في طريقه إلى مكة قافلاً، حينما قفل إلى المدينة من مكة، وجد الناس يبتدرون شجرة، فسأل عنها، فقيل: هذه التي بايع النبي ﷺ تحتها أصحابه، يعني في الحديبية، فأمر بقطعها، وعلل ذلك بأن هذا هو السبب في هلاك من كان قبلنا من الأمم، أنهم كانوا يتتبعون آثار الأنبياء، فأدى ذلك إلى الغلو بهذه الآثار، والتعبد لله بما لم يأذن به من الدين كما نشاهد في مشارق الأرض ومغاربها تُعظَّم أماكن وقبور، وصخور، ومغارات وأشياء يزعمون أن هذه المغارة مغارة فلان، أو مغارة إبراهيم ، وقبور موهومة، وقبور غير صحيحة لأنبياء ما دخلوا تلك البلاد أصلاً، أو صحابة ما دخلوا تلك البلاد، أو صحابة لا حقيقة لهم، يعني صحابي يخترعون له اسماً من عندهم "زارع النوى" مثلاً أو نحو هذا، وهذا لا وجود له، وهكذا هناك أشياء مبنية على رؤى، يزعم أحد من الناس أنه رأى رؤيا أن هذا المكان فيه صالح قد دفن، رجل صالح، أو أنه يبني فيه مسجداً، ولو كان الميت من الصحابة مدفونًا في المدينة مثلاً، فهذا رأى رؤيا في مصر أو الشام أو نحو هذا، فيبنون قبة وضريحاً ونحو ذلك، وليس فيه أحد، وأحياناً يكون قبر نصراني، ونحو هذا، كما ذكر هذا جماعة من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله.
فتعظيم مثل هذه الآثار أمر يؤدي إلى الغلو، ويؤدي إلى الإشراك بالله -تبارك وتعالى، وإنما نعظم ونقصد ما قصده الشارع، يعني الأماكن التي كان يذهب إليها النبي ﷺ، يتحرى الصلاة عندها، مثل مقام إبراهيم، ومثل مسجد قباء، ونحو ذلك، فمثل هذه الأشياء يشرع قصدها والصلاة عندها، ونحو ذلك، ولو كان ذلك في أوقات النهي، يعني لو أن أحداً من الناس في المدينة ذهب إلى مسجد قباء بعد العصر وهو وقت نهي فله أن يصلي ركعتين، له ذلك، ولا يمنع منه، والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، باب إتيان مسجد قباء ماشيا وراكبا (2/ 61)، رقم: (1194).
- أخرجه البخاري، باب من أتى مسجد قباء كل سبت (2/ 61)، رقم: (1193) .
- أخرجه البخاري، باب من أتى مسجد قباء كل سبت (2/ 61)، رقم: (1193) .
- أخرجه البخاري، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (2/ 60)، رقم: (1189)، ومسلم، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (2/ 1014)، رقم: (1397).