الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «يقوم الناس لرب العالمين..» ، «لو تعلمون ما أعلم..»
تاريخ النشر: ٢٦ / شعبان / ١٤٢٨
التحميل: 1608
مرات الإستماع: 8569

يقوم الناس لرب العالمين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب الخوف أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما، أن رسول الله ﷺ قال: يقوم الناس لرب العالمين، حتى يغيب أحدهم في رشْحه إلى أنصاف أذنيه، متفق عليه.

قوله: يقوم الناس أي: من قبورهم في يوم القيامة لرب العالمين, يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6], فيصيبهم ما يصيبهم في ذلك اليوم من الشدة والحر، وينالهم من ذلك بقدر أعمالهم, فيكون العبد بحسب تقصيره وحاله مع الله , وتدنو الشمس من الناس على قدر ميل, ونحن في هذه الأيام التي إذا خرج الإنسان فيها لربما دقائق يتعرض لحر الشمس فإنه يجد لذلك أثراً لا ينكر, فكيف إذا بلغت الحال إلى ما وصف؟, تدنو الشمس على قدر ميل, ويقف الناس في ذلك اليوم، ويطول جدًّا على الكافرين, كما قال الله -تبارك وتعالى-: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4]، فهو يوم طويل.

يغيب أحدهم في رشحه أي: في عرقه، إلى أنصاف أذنيه وهذا بحسب عمله، ومن الناس من يكون دون ذلك، كما في الحديث الآخر الذي يدل على أن الناس يتفاوتون في ذلك.

لو تعلمون ما أعلم
وفي حديث أنس قال: خطبنا رسول الله ﷺ خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، فغطى أصحاب رسول الله ﷺ وجوههم، ولهم خنين. متفق عليه.

"ما سمعت مثلها قط"، أي: في الوعظ والزجر والتخويف، فقال: لو تعلمون ما أعلم أي: من أحوال الآخرة وأهوالها وأوجالها، وصفات النار وما فيها من العذاب لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً[1]، ولا يرد على هذا أن المسلمين الله ينجيهم من النار، وأنهم لو يعلمون ما لهم من النعيم لضحكوا وسروا بذلك، فإن العبد لا يدري بماذا يوافِي، ولا بأي شيء يختم له، وكان من الصحابة من يبكي عند موته، كأبي هريرة ، وعبد الله بن رواحة، ومعاذ بن جبل، وأمثال هؤلاء، ولربما سئل الواحد منهم عن سبب بكائه، وهل هذا البكاء واقع بسبب الجزع من الموت، أو أن ذلك لفراق الدنيا ولفراق أهلها؟، فيبيّن أنه إنما يبكي؛ لأن الله أخبرنا: وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا [مريم:71]، يقول: فلا أدري كيف يكون الصدر بعد الورود، نحن سنرد على النار، ولكن هل سينجو الإنسان إذا ورد عليها أو لا ينجو؟.

لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وهذا حال أهل الخشية من الله ، أنهم يخافون، وكان ابن عمر يقول: لو أعلم أنه قبلت لي سجدة واحدة لم أبالِ، فغطى أصحاب رسول الله ﷺ وجوههم ولهم خنين، أي: بكاء مع غنة وصوت، كأنه يستنشق الصوت من الأنف، ولهم خنين، متفق عليه.

وفي رواية: بلغ رسولَ الله ﷺ عن أصحابه شيءٌ، يعني هذا سبب ورود الحديث، فخطب فقال: عُرضت عليّ الجنة والنار فلم أرَ كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً[2]، فما أتى على أصحاب رسول الله ﷺ يوم أشد منه، غطوا رءوسهم ولهم خنين.

فأقول: ينبغي على العبد أن يخاف، ومن لم يخف فينبغي أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة؛ لأن أهل الجنة قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فاطر:34]، ويقولون: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26]، فمن لم يشفق فليخف أن يكون من أصحاب النار، فإن من صفة أهل الجنة التي ذكرها الله أنهم يخافون، وأنهم في حال من الوجل والخشية والإشفاق، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الخشية، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، وأن يحسن لنا العاقبة في الأمور كلها، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، (6/ 54)، رقم: (4621).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب توقيره ﷺ، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف وما لا يقع، ونحو ذلك (4/ 1832)، رقم: (2359).

مواد ذات صلة