الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
بعض ما ورد عن السلف في باب الخوف (1-2)
تاريخ النشر: ١٧ / ذو القعدة / ١٤٢٨
التحميل: 1780
مرات الإستماع: 2864

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فمما ورد عن السلف في باب الخوف من الله -تبارك وتعالى- ما جاء عن عائشة -ا- قالت: "فوالله لوددتُ أني كنت نسيًا منسيًّا"[1].

وكان عبد الله بن شداد إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم فيقول: "اللهم إن النار أذهبت مني النوم"[2]، فيقوم يصلي حتى يصبح.

وكان عمران بن الحصين يقول: "وددت أني تذروني الرياح"[3]، وبكى أبو هريرة في مرضه فقيل: ما يبكيك؟ قال: "ما أبكي على دنياكم هذه، ولكن على بعد سفري وقلة زادي[4]، وأني أمسيتُ في صعود ومَهْبطة على جنة أو نار، فلا أدري إلى أيهما يؤخذ بي"[5].

وقيل لعامر بن قيس -رحمه الله- إنك تبيت خارجاً أما تخاف الأسد؟ قال: "إني لأستحي من ربي أن أخاف شيئاً دونه"[6].

ويقول مسروق بن الأجدع -رحمه الله: "كفى بالمرء علماً أن يخشى الله"[7]، ويقول مطرف بن عبد الله: "لقد كاد خوف النار أن يحول بيني وبين أن أسأل الله الجنة".

وجاء عن حميد بن هلال قال: دخلت مع الحسن على العلاء بن زياد وقد أسَلَّه الحزن، وكانت أخته تندف عليه القطن غدوة وعيشة، بمعنى أنها تصنع ذلك من أجل أن يتقوت منه، فقال: كيف أنت يا علاء؟ قال: "واحزناه على الحزن"[8]، يعني أنه مقصر في هذا الباب، واحزناه على الحزن أي أن حزنه وخوفه قليل.

وكان سعيد بن المسيب -رحمه الله- يكثر أن يقول في مجلسه: "اللهم سلم اللهم سلم"[9].

وعن ابنة للربيع بن خُثيم قالت: كنت أقول: يا أبتاه ألا تنام؟ فيقول: كيف ينام من يخاف البيات، وكان الضحاك بن مزاحم إذا أمسى بكى فيقال له فيقول: "لا أدري ما صعد اليوم من عملي"[10].

ويقول العوام بن حوشب: "ما رأيت إبراهيم بن يزيد التيمي رافعاً بصره إلى السماء قط"[11]، يعني خوفاً أو حياء.

وتقول أم محمد بن كعب القرظي له: "يا بني لولا أني أعرفك طيباً صغيراً وكبيراً لقلت: إنك أذنبت ذنباً موبقاً لِمَا أراك تصنع بنفسك، قال: يا أماه وما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع عليّ وأنا في بعض ذنوبي فمقتني وقال: اذهب لا أغفر لك، مع أن عجائب القرآن ترد بي على أمور حتى إنه لينقضي الليل ولم أفرغ من حاجتي"[12]، بمعنى أنه لا يزال يتأمل ويتدبر ويتبصر بما جاء في القرآن فينقضي الليل ولم ينقضي أربه.

وعن ميمون بن مهران قال: "أدركت من لم يكن يملأ عينه من السماء فرَقاً من ربه "[13]، وعنه قال: "أدركت من كنت أستحيي أن أتكلم عنده"[14].

وجاء عن مكحول قال: "لو حلفت لصدقت، ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز"[15].

وعن النضر قال: "دخلت على عمر بن عبد العزيز فكان ينتفض أبدًا، كأن عليه حزن الخلق"[16].

وعن ابن أبي حاتم قال: لما مرض عمر بن عبد العزيز جيء بطبيب فقال: له داء ليس له دواء، غلب الخوف على قلبه، وقيل لعمر بن عبد العزيز: لو جعلت على طعامك أمينًا لا تغتال، وحرساً إذا صليت، وتنحَّ عن الطاعون أي: انتقل عن الشام، قال: اللهم إن كنت تعلم أني أخاف يوماً دون يوم القيامة لا تؤمن خوفي"[17].

وهذا مالك بن دينار يقول: "لو استطعتُ لم أنم مخافة أن ينزل العذاب، يا أيها الناس النارَ النارَ"[18].

وكان يحيى بن سعيد يقول في مجلسه: "اللهم سلم، سلم"، ودخلوا على عطاء السليمي فجعل يقول: "ليت عطاء لم تلده أمه"[19]، وكرر ذلك حتى اصفرت الشمس.

وقيل لمحمد بن واسع: كيف أصبحت؟ قال: "قريباً أجلي، بعيداً أملي، سيئاً عملي"[20].

وقيل لسليمان التيمي: أنت أنت ومن مثلك؟ قال:لا تقولوا هكذا، لا أدري ما يبدو لي من ربي ، سمعت الله يقول: وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47]، يعلق الذهبي -رحمه الله- على بعض هذه الآثار فيقول: "كل من لم يخشَ أن يكون في النار فهو مغرور قد أمن مكر الله به"[21].

وعن أبي عاصم قال: رأيت هشام بن حسان، وذكر النبي ﷺ والجنة والنار فبكى حتى سالت دموعه على خديه، والآثار المنقولة عنهم في هذا الباب كثيرة، لكن أقول: هؤلاء مع عظيم عبادتهم واجتهادهم وتوقيهم وتحرزهم من المعاصي والذنوب، ما ظنكم بهؤلاء ماذا يفعلون؟ وما هي الذنوب التي يحاذرونها؟ ونحن نروح ونغدو لربما في غاية الغفلة، ومع ذلك قد لا يحرك ذلك فينا قليلاً ولا كثيراً، من الذي يستشعر هذه المعاني مثل هؤلاء على كثرة طاعتهم، وعظيم تقواهم، ومع ذلك بهذه المنزلة من الخوف؟، فيقارن الإنسان بين نفسه وبين هؤلاء فيعرف شدة التقصير، وهؤلاء نؤمل ما يؤملون ونحاذر ما يحذرون، ولكن العمل سواء عمل القلب أو عمل الجوارح مختلف تماماً، فأسأل الله أن يعيننا على أنفسنا، وأن يبصرنا بما ينفعنا، وأن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، وأن يرزقنا وإياكم الهدى والتقى والعفاف والغنى.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، (6/ 106)، رقم: (4753).
  2. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 264).
  3. الطبقات الكبرى لابن سعد، (4/ 216).
  4. التاريخ الكبير للبخاري (4/ 157).
  5. الزهد لنعيم بن حماد (2/ 38).
  6. تاريخ دمشق لابن عساكر (26/ 24).
  7. جامع بيان العلم وفضله (1/ 569).
  8. سير أعلام النبلاء ط الحديث (5/ 115).
  9. مناقب الإمام أحمد (ص:378).
  10. تهذيب الكمال في أسماء الرجال (13/ 295).
  11. سير أعلام النبلاء (5/ 61).
  12. تاريخ دمشق، (55/ 143).
  13. سير السلف الصالحين للأصبهاني، (ص:942).
  14. تاريخ دمشق لابن عساكر (61/ 345).
  15. طبقات الحفاظ للذهبي (1/ 91).
  16. تاريخ دمشق لابن عساكر (45/ 237).
  17. سير أعلام النبلاء ط الرسالة (5/ 139).
  18. تاريخ دمشق لابن عساكر (56/ 413).
  19. سير أعلام النبلاء ط الحديث (6/ 247).
  20. سير السلف الصالحين للأصبهاني (ص:939).
  21. سير أعلام النبلاء ط الحديث (6/ 386).

مواد ذات صلة