الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
‏(35) " وأنا معه إذا ذكرني ... "‏
تاريخ النشر: ٢٦ / ذو الحجة / ١٤٣٤
التحميل: 3985
مرات الإستماع: 3130

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فقد تحدَّثنا في الليلة الماضية عن قول الله -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: أنا عند ظنِّ عبدي بي[1]، وما يستدعيه ذلك من إحسان الظنِّ بالله ، بخلاف حال أولئك من الظَّانين بالله ظنَّ السوء، فقد توعدهم الله -تبارك وتعالى- بقوله: عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ [الفتح:6]، وكما ذمَّ -تبارك وتعالى- المنافقين الذين قال عنهم: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ[آل عمران:154]، فهذه الظنون لا تصدر من أهل الإيمان، ولا تتفق مع إيمانهم، وتوكلهم، ويقينهم، ومعرفتهم بربهم وخالقهم .

ثم قال الله -تبارك وتعالى- في هذا الحديث: وأنا معه إذا ذكرني، أنا معه بالإجابة، أنا معه بالتَّوفيق، أنا معه أسمع كلامَه ودُعاءه ونجواه، أنا معه بالثَّواب على أعماله التي يعملها من الصَّالحات، أو بحسب ما قصده حينما ذكر ربّه -تبارك وتعالى-.

فهذه المعيّة هي المعيّة الخاصَّة التي تكون لأهل الإيمان، إذ إنَّ المعية –أعني: معية الله تبارك وتعالى- لخلقه على نوعين، فهذا هو النوع الأول، وهي المعية الخاصَّة التي تكون بالنَّصر والتَّأييد، والرِّعاية والحفظ والتَّسديد، كل ذلك داخلٌ فيها، كما قال الله -تبارك وتعالى-: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128].

وكما مضى في مناسباتٍ شتَّى أنَّ الحكم المعلّق على وصفٍ يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه، فيكون للعبد من معية الله -تبارك وتعالى- بحسب ما يكون عنده من التَّقوى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا، وبحسب ما يكون عليه من الإحسان: وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.

ومن هذه المعية الخاصَّة: ما ذكره اللهُ -تبارك وتعالى- عن قول نبيِّه ﷺ لصاحبه أبي بكر الصّديق : يا رسول الله، أُتِينَا. فقال: لا تحزن؛ إنَّ الله معنا[2]، وهكذا في قوله -تبارك وتعالى- لموسى وهارون -عليهما الصَّلاة والسَّلام-: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، فهذه معيَّته لأوليائه وخاصَّته من خلقه، وهذه لا تُنافي علوَّه -تبارك وتعالى- واستواءه على عرشه، فكل هذا حقٌّ، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، فذكر استواءه على العرش، وذكر أيضًا علمَه ومعيَّته، فلا منافاةَ بين هذا وهذا، وختم الآيةَ بقوله -تبارك وتعالى-: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد:4]، فهو فوق عرشه، محيطٌ علمه بخلقه.

والمعيَّة الأخرى: وهي المعيَّة العامَّة لجميع الخلق بالعلم والإحاطة والاطلاع، كما قال الله : مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7]، فهذه الآية كما قال الإمامُ أحمد -رحمه الله-: افتُتحت بالعلم، واختُتمت بالعلم[3]. فدل على أنَّ المراد بهذه المعية المعية بعلمه وإحاطته، وكما ذكرنا في الآية التي قبلها فهما معيتان.

فهنا قوله: وأنا معه إذا ذكرني، هذه هي المعية الخاصَّة التي تكون مع الذَّاكرين، ثم قال: وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خيرٍ منه، والمقصود بالملأ: الجماعة: إن ذكرني في ملأ يعني: أنَّ العبدَ إذا ذكر ربَّه ظاهرًا في جمعٍ من الناس، بحضرة الناس؛ ذكره الله -تبارك وتعالى- في ملأ -في جمعٍ- أفضل من هذا الجمع الذي ذكره فيهم، والمراد بذلك الملأ الأعلى، وهم الملائكة الكرام -عليهم السَّلام- ومَن شاء الله -تبارك وتعالى-.

وهذا الموضع أخذ منه بعضُهم أنَّ الملائكة أفضل من صالحي البشر؛ لأنَّه قال: ذكرتُه في ملأ خيرٍ منه، هكذا استدلُّوا بهذا، واستدلُّوا بأدلةٍ أخرى غير هذا، والذين يقولون بخلاف هذا أيضًا لهم أدلة.

وهذه المسألة مما لا يترتب عليه عملٌ؛ ولذلك فإنَّ الإعراضَ عنها هو الأولى والأكمل والأفضل، فنحن لا نستفيد شيئًا إذا عرفنا مَن الأفضل؟ هل هم الملائكة أو الصَّالحون من البشر؟ ما ينتج عن هذا أمرٌ عمليٌّ نفعله، ومثل هذا في باب الاعتقاد لا يُطلب؛ يعني: لا يُطالب المكلَّف بأن يعتقد أيّهما أفضل: الملائكة أو الصَّالحون من البشر؟

وهنا قد يرد سؤالٌ: وهو أنَّه -تبارك وتعالى- ذكر الأمرين: إن ذكره في نفسه؛ ذكره اللهُ في نفسه، وإن ذكره في ملأ؛ ذكره اللهُ في ملأ خيرٍ منه، فقد يُفهم من ذلك أنَّ الذكرَ لله بالجهر بحضرة الناس أفضل من الإسرار؟

ونحن قد تكلمنا على هذه المسألة: أيُّهما أفضل: الإسرار بالذكر أو الجهر؟

وذكرنا أنَّ الذكرَ على أنواع: منه ما يُطلب فيه الجهر، ومنه ما يُطلب فيه الإسرار، منه ما يُقصد به الإسماع، منه ما بيَّن لنا النبيُّ ﷺ أنَّ المشروعَ الجهر بهذا الذكر: كالتَّكبير في العشر، أو ما يُقصد به الإسماع: كالأذان، والسَّلام، وتشميت العاطس، وما إلى ذلك، وهناك الذكر الذي يكون بعد الصَّلاة، فقد كان النبيُّ ﷺ يجهر به، كما دلَّ عليه حديثُ ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- [4].

ومن الذكر ما يُقصد به الإسرار، لكن ما لم يرد عن الشَّارع الجهرُ به بالفعل؛ يعني: أنَّ النبي ﷺ جهر به، أو أنَّه حثَّ على ذلك، أو أمر به، أيّهما أفضل؟ المسكوت عنه، مضى الكلامُ على قوله -تبارك وتعالى-: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً [الأعراف:205] وما يحتمله من المعاني، وكلام المفسّرين في هذا.

على كل حالٍ، المقصود هنا أنَّه قال: فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خيرٍ منهم، كأنَّه يُفهم منه أنَّ ذكرَ الله في الملأ أفضلُ من ذكره في السِّرِّ، وذلك أنَّ اللهَ يذكره في ملأ من الملائكة.

على كل حالٍ، هذه المسألة فيها الكلام السَّابق، وقد نُقِلَ عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: "لأن أذكر الله في نفسي أحبُّ إليَّ من أن أذكره بلساني سبعين مرةً"[5]. ونُقِلَ عن غيرها نُقِلَ عن بعض التَّابعين أنَّه قال: ما دام قلبُ الرجل يذكر الله تعالى فهو في صلاةٍ وإن كان في السُّوق، وإن تحرَّك بذلك اللِّسان والشَّفتان فهو أعظم[6].

وعلى كل حالٍ، من أهل العلم مَن فصَّل، والصَّحيح التَّفصيل، الصَّحيح في هذا، وهو هذا الحديث؛ ذكر مزيةً للذي ذكر ربَّه في الملأ، ولكن هل هذا يعني: أنَّ الذكرَ في الملأ أفضل بإطلاقٍ؟ قد لا يكون كذلك، فهذه مزية، والقاعدة: أنَّ المزية لا تقتضي الأفضلية، فهذا إنما ذُكِرَ في بيانٍ وسياقٍ: بيان فضل الذكر، لكن إذا ذكره في ملأ، وذكره اللهُ في ملأ خيرٍ منهم، هل هذا يعني: أنَّ ذكرَ الله بحضرة الناس في الجهر أفضل مُطلقًا؟ قد لا يكون كذلك، فهذا قد يكون من الأذكار ما يُطلب فيه الإسرار، هذه واحدة، وقد يكون ذلك بالنسبة للمُعين أفضل؛ يعني: الإسرار؛ لأنَّ ذلك أدعى إلى إخلاصه، فإن خشى الرِّياء أو تغير النّية أن يتقلب عليه قصده؛ فإنَّ الإسرارَ في حقِّه أفضل بلا شكٍّ، وهذا يمكن أن يُجمع به بين هذه النصوص، والله -تبارك وتعالى- أعلم.

وقوله في هذا الحديث: وإن تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا[7]، تقرَّب إليَّ شبرًا الشِّبْر هو من طرف هذا الأصبع الأصغر -وهو الخنصر- إلى طرف الإبهام في حال مدِّهما، هكذا، هذا هو الشِّبر، معروفٌ، من طرف هذا إلى طرف هذا، يُقال له: شبر، والذِّراع من طرف الوسطى -هذه الأصبع- إلى المرفق، يُقال له: ذراع، وأمَّا الباع فيكون بمجموع الذِّراع مع العضد، وما يُقابله من الذِّراع الآخر والعضد، وما بينهما من الصَّدر؛ يعني: بهذا المقدار هذا يُقال له: الباع، قدَّره بعضُهم بأربعة أذرع.

فهنا في الحديث يقول: وإن تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، ما المقصود بذلك؟ هل هذا التَّقرب –نقول- على ظاهره، أو يُقال بأنَّ المقصودَ بذلك أمرٌ معنويٌّ من سرعة الإجابة والإثابة وإقبال الربِّ -تبارك وتعالى- على العبد حال توبته، وحال ذكره، وحال عبادته: فإنَّ الله ينصب وجهَه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت[8]، كما صحَّ ذلك عن النبي ﷺ؟

شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول في هذا الحديث: كلما تقرَّب العبدُ باختياره قدر شبرٍ زاده الربُّ قُربًا إليه، بمعنى: أنَّ الذي يقترب بهذا الاعتبار هو العبدُ، حتى يكون كالمتقرّب إليه بذراعٍ[9]، يعني: أنَّه بهذا التَّقرب القليل الله يُقرّبه أكثر، فالله ذو فضلٍ عظيمٍ على عباده، ومن أسمائه: الشَّكور، الذي يجزي على الحسنة بعشرٍ، ويُضاعف ذلك إلى أضعافٍ كثيرةٍ.

شيخ الإسلام يقول: كلَّما تقرَّب العبدُ باختياره قدر شبرٍ زاده الربُّ قُربًا إليه، يقول: حتى يكون كالمتقرّب إليه بذراعٍ، فكذلك قُرب الربِّ من قلب العبد.

هنا انتقل إلى موضوعٍ آخر مُشابهٍ لهذا: قُرب الربِّ من قلب العبد، قال: وهو ما يحصل في قلب العبد من معرفة الربِّ والإيمان به.

يقول: فإذا قرب العبدُ من ربِّه بالإنابة إليه قرب الربُّ إليه؛ فيدنو قلبُه من ربِّه، وإن كان بدنُه على الأرض.

يقول: ومتى قرب أحدُ الشَّيئين من الآخر صار الآخرُ إليه قريبًا بالضَّرورة.

يقول: وإن قدر أنَّه لم يصدر من الآخر تحرّك بذاته، كما أنَّ مَن قرب من مكّة قربت مكةُ إليه؛ يعني: مَن كان على مشارف مكة، مَن كان قريبًا منها يُقال: مكّة قريبة منا، مكة على مقربة منا. وإنما الذي اقترب هو هذا المنتقل المسافر إليها.

ويقول شيخُ الإسلام: وليس بين الربِّ والعبدِ إلا محض العبودية، فكلَّما كمَّل العبدُ عبوديةَ ربِّه قرب إليه تعالى؛ لأنَّه سبحانه بَرٌّ، جوادٌ، مُحْسِنٌ، يُعطي العبدَ ما يُناسبه، فكلَّما عظم فقره إليه كان أغنى له -يعني: للعبد- وكلَّما عظم ذلُّه له كان أعزَّ له، فإنَّ النفسَ لما فيها من أهوائها المتنوعة وتسويل الشَّيطان لها تبعد عن الله -تعالى- حتى تصير ملعونةً، بعيدةً عن الرحمة، واللَّعنة هي البُعد عن الله ورحمته[10]. هذا كلام شيخ الإسلام.

وفي قوله -تبارك وتعالى- في هذا الحديث: ومَن تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبْتُ إليه ذراعًا، يقول: هذا قُربه تعالى من عابده، وأمَّا قُربه من داعيه كما في الآية: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[البقرة:186]، وقُربه تعالى من عابده وداعيه قربٌ خاصٌّ، أخصُّ من قُرب الإنابة وقُرب الإجابة الذي لم يُثبت أكثر المتكلمين سواه؛ يعني: أخصّ من مجرد القُرب المعنوي، فهو قُربٌ خاصٌّ.

يقول: فالدَّاعي والسَّاجد تتوجّه روحُه إلى الله تعالى، والروح لها عروجٌ يُناسبها، فتقرب من الله -تبارك وتعالى- بحسب تخلُّصها من الشَّوائب، فيكون الله منها قريبًا قُربًا يلزم منه قُربها؛ يعني: تعرج إليه، ترتفع، تُحلِّق -كما نُعبر اليوم- حتى تقترب من ربها وباريها .

يقول شيخُ الإسلام: ويكون منه قُربٌ آخر: كقُربه عشية عرفة، وفي جوف الليل، وإلى مَن تقرَّب منه شبرًا تقرَّب منه ذراعًا[11].

إذًا قُربه -تبارك وتعالى- من عبده نوعان:

الأول: قُربه من قلوب المؤمنين، وقُرب قلوبهم منه، وهذا معلومٌ؛ فإنَّ القلوبَ تصعد إليه على ما قدر فيها من الإيمان والمعرفة به تعالى، وذكره، وخشيته، والتَّوكل عليه.

يقول شيخُ الإسلام: وهذا متَّفقٌ عليه بين الناس، لم يُنكره منهم أحدٌ.

الثاني: ما دلَّ عليه هذا الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه: كقُربه أيضًا عشية عرفة، وقُربه آخر الليل، كما ثبت ذلك في النُّصوص، وهذا القُرب هو الذي يُنكره المخالفون من أهل التَّأويل والبدع.

إذًا هذا القُرب من أهل العلم مَن فسَّره بقُرب الإجابة، قُرب الإثابة، ونحو ذلك؛ يعني: بالقُرب المعنوي، وشيخ الإسلام -رحمه الله- فرَّق بين نوعين من القُرب، فجعل هذا ونزول الربِّ -تبارك وتعالى- عشية عرفة، وما أشبه ذلك؛ أنَّ هذا قُربٌ على ظاهره.

وعلى كل حالٍ، هذا الحديث كغيره من النُّصوص الدَّالة على قيام الأفعال الاختيارية بالله ، من أهل العلم مَن يُورد على هذا سؤالاً: وهو أنَّ ذلك قد يختصّ إذًا على هذا التَّفسير الذي ذكرناه، قد يختصّ بنوعٍ من العبادات فيها مشيٌ، فيها قُربٌ، فيها خطوٌ: تقرَّب إليَّ شبرًا، وذِراعًا إلى آخره، لكن بعض العبادات ليس فيها شيءٌ من هذا: كالصِّيام، وقراءة القرآن، ونحو ذلك.

قالوا: المعنى أعمُّ من ذلك، فكأنَّ بعضَهم مال إلى أنَّه قربٌ معنويٌّ لهذا السَّبب؛ ليعمم المعنى، والواقع أنَّه لا يلزم من ذلك ما ذكر -والله تعالى أعلم-، وإنما ذكر الشِّبْر والذِّراع، وليس المقصودُ الحصرَ.

كذلك أيضًا المضاعفة: تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبتُ منه ذراعًا، هنا التَّقرب بهذا المقدار: الذِّراع، كذلك الحسنة تُضاعف بعشرٍ، والشِّبر بالنسبة للذِّراع، الذِّراع ليست عشرة أضعاف الشِّبر، فدلَّ ذلك على أنَّ المقصودَ بيان ما يُفيضه الله ويُعطيه للعبد حينما يتقرَّب إليه، سرعة إقبال الربِّ على العبد إذا أقبل العبدُ عليه، سرعة الإجابة، سرعة الإثابة، كقبول التَّوبة، وما إلى ذلك، كفرحه -تبارك وتعالى- بتوبة عبده.

وليس المقصودُ هنا بيان مقدار العطاء والأجر حتى يُقال: نسبة الذِّراع إلى الشِّبر، أو الشِّبر إلى الذِّراع، وكون الحسنة بعشر أمثال ذلك، هذا لا يرد هنا -والله تعالى أعلم.

الحديث بقيت فيه بقايا، وأسأل الله أن ينفعنا وإيَّاكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين.

اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دُنيانا، والله أعلم.

وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28]، برقم (7405)، ومسلم: كتاب التوحيد، باب الحثِّ على ذكر الله تعالى، برقم (2675).
  2. أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (3615)، ومسلم: كتاب الزهد والرَّقائق، بابٌ في حديث الهجرة، ويُقال له: حديث الرحل –بالحاء-، برقم (3014).
  3. انظر: "تفسير ابن كثير" (8/ 42).
  4. أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، برقم (583).
  5. انظر: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن (29/ 542).
  6. انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطَّال (10/ 430).
  7. أخرجه النَّسائي في "السنن الكبرى": كتاب النّعوت، قوله تعالى: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116]، برقم (7683)، وصححه الألباني في "موسوعة الألباني في العقيدة" (6/ 246).
  8. أخرجه الترمذي في "سننه": كتاب أبواب الأمثال، باب ما جاء في مثل الصلاة والصّيام والصّدقة، برقم (2863)، قال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. وصححه ابنُ حبان والحاكم. انظر: "تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج" لابن الملقن (1/ 362).
  9. انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (5/ 510).
  10. انظر: المصدر السَّابق (5/ 238).
  11. انظر: المصدر السَّابق (5/ 130).

مواد ذات صلة